اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 180
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم} لنُصيبنَّكم إصابةَ من يختبرُ أحوالَكم أتصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء
{بِشَيْء مّنَ الخوف والجوع} أي بقليلٍ من ذلك فإن ما وقاهم عنه أكثرُ بالنسبة إلى ما أصابهم بألف مرة وكذا ما يصيبُ به معانديهم وإنما أَخبرَ به قبل الوقوعِ ليُوطِّنوا عليه نفوسَهم ويزدادَ يقينُهم عند مشاهدتهم له حسبما أَخبرَ به وليعلموا أنه شيءٌ يسير له عاقبةٌ حميدة
{وَنَقْصٍ مّنَ الاموال والانفس والثمرات} عطفٌ على شيءٍ وقيل على الخوف وعن الشافعي رحمه الله الخوفُ خوفُ الله والجوعُ صومُ رمضانَ ونقصٌ من الأموال الزكاةُ والصدقاتُ ومن الأنفس الأمراضُ ومن الثمرات موتُ الأولاد وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم إذا مات ولدُ العبد قال الله تعالى للملائكة أقبضتم روح ولد عبدي فيقولون نعم فيقول عز وجل أقبضتم ثمرةَ قلبِه فيقولون نعم فيقول الله تعالى ماذا قال عبدي فيقولون حمِدَك واسترجَع فيقول الله عز وعلا ابنُوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمُّوه بيتَ الحمد
{وَبَشّرِ الصابرين}
{الذين إِذَا أصابتهم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون} الخطابُ للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكلِّ مَنْ يتأتَّى منْهُ البِشارة والمصيبةُ ما يصيب الإنسانَ من مكروه لقوله عليه السلام كلُّ شيءٍ يؤذي المؤمنَ فهو له مصيبةٌ وليس الصبرُ هو الاسترجاعُ باللسان بل بالقلب بأن يَتصوَّرَ ما خُلق له وأنه راجِعٌ إلى ربه ويتذكرَ نِعمَ الله تعالى عليه ويرى أن ما أبقى عليه اضعاف ما استرده منه فيهونُ ذلك على نفسه ويستسلم والمبشَّرُ به محذوفٌ دلَّ عليه ما بعده
{أولئك} إشارة إلى الصابرين باعتبار اتصافهم بما ذُكِرَ من النعوتِ ومعنى البعد فيه للإيذان بعلوِّ رُتبتِهم
{عَلَيْهِمْ صلوات مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ}
البقرة (157 - 155)
تسعٍ وثلاثين وتسعمائة أني أزور قبورَ شهداءِ أُحدٍ رضي الله تعالى عنهم اجمعين وانا أتلوا هذه الآيةَ وما في سورة آلِ عمرانَ وأردّدهما متفكراً في أمرهم وفي نفسي أن حياتَهم روحانية لا جسمانية فبينما أنا على ذلك إذ رأيتُ شاباً منهم قاعداً في قبره تامَّ الجسدِ كامِلَ الخِلْقة في أحسنُ ما يكونُ من الهيئة والمنظر ليس عليه شيءٌ من اللباس قد بدا منه ما فوق السُرةِ والباقي في القبر خلا أني أعلم يقيناً أن ذلك أيضاً كما ظهر وإنما لا يظهر لكونه عورةً فنظرت إلى وجهه فرأيته ينظُر إلي مبتسما كأنه ينبِّهُني على أن الأمر بخلاف رأيي فسُبحان من عَلَتْ كلمتُه وجلّت حِكمتُه وقيل الآية نزلت في شهداءِ بدرٍ وكانوا اربعة عشر وفيهَا دلالةً على أنَّ الأرواحَ جواهرُ قائمةٌ بأنفسها مغايرةٌ لما يُحَسُّ به من البدن تبقى بعد الموت دراكة وعليه جمهورُ الصحابة والتابعين رضوانُ الله تعالَى عليهم اجمعين وبه نطقت الآيات والسنن وعلى هذا فتخصيصُ الشهداء بذلك لما يستدعيه مقامُ التحريض على مباشرة مباديَ الشهادةِ ولاختصاصهم بمزيد القُرب من الله عز وعلا
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 180