اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 117
البقرة (76)
التوراةُ وإن كانت كلامَ الله عز وعلا لكنها باسم الكتاب أشهرُ وأثرُ التحريفِ فيه أظهر ووصفُ اليهودِ بتلاوتها أكثر لا سيما رؤساؤُهم المباشرون للتحريف فإن وظيفتهم التلاوةُ دون السماع فكان الأنسبَ حينئذ أن يقالَ يتلون كتابَ الله تعالى فالمعنى أفتطمعون في أن يؤمنَ هؤلاءِ بواسطتكم ويستجيبوا لكم والحالُ أن أسلافَهم الموافقين لهم في خِلال السوءِ كانوا يسمعون كلامَ الله بلا واسطةٍ ثم يحرِّفونه من بعد ما علِموه يقيناً ولا يستجيبون له هيهاتَ ومن ههنا ظهر ما في إيثار لكم على بالله من الفخامة والجزالة وقوله عز وجل
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} جملةٌ حاليةٌ من فاعلِ يحرّفونه مفيدةٌ لكمال قباحةِ حالِهم مُؤْذِنةٌ بأن تحريفَهم ذلك لم يكن بناءً على نسيان ما عقَلوه أو على الخطأ في بعض مقدِّماته بل كان ذلك حالَ كونهم عالمين مستحضِرين له اووهم يعلمون أنهم كاذبون ومفترون
{وَإِذَا لَقُواْ} جملةٌ مستأنفة سيقتْ إثرَ بيانِ ما صدر عن أشباههم لبيان ما صدرَ عنهم بالذات من الشنائع المُؤْيسةِ عن إيمانهم من نفاق بعضٍ وعتابِ آخَرين عليهم أو معطوفةٌ على ما سبق من الجلمة الحالية والضميرُ لليهود لما ستقف على سره لالمنافقيهم خاصةً كما قيل تحرّياً لاتحاد الفاعل في فعلي الشرط والجزاءِ حقيقةً
{الذين آمنواْ} من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم
{قالوا} أي الاقون لكن لا بطريق تصدّي الكلِّ للقول حقيقةً بل بمباشرة منافقهم وسكوتِ الباقين كما يقال بنُو فلان قتلُوا فُلاناً والقاتلُ واحدٌ منهم وهذا أدخلُ في تقبيح حال الساكتين أولاً العاتبين ثانياً لما فيهِ منَ الدلالةِ على نفاقهم واخلاف أحوالهم وتناقضِ آرائهم من إسناد القول إلى المباشرين خاصةً بتقدير المضافِ أي قال منافقوهم
{آمنا} لم يقتصروا على ذلك بل عللوه بأنهم وجدوا نعتَ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم في التوراة وعلموا أنه النبيُّ المبشَّر به وإنما لم يصرَّحْ به تعويلاً على شهادة التوبيخِ الآتي
{وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ} أي بعض المذكورين وهم الساكتون منهم أي إذا فرَغوا من الاشتغال بالمؤمنين متوجِّهين ومنضمَّين
{إلى بَعْضِ} آخرَ منهم وهم منافقوهم بحيث لم يبقَ معهم غيرُهم وهذا نصٌّ على اشتراك الساكتين في لقاء المؤمنين كما أشير إليه آنفاً إذِ الخلوُّ إنما يكون بعد الاشتغال ولأن عتابَهم معلقٌ بمحض الخلوِّ ولولا أنهم حاضرون عند المقاولة لوجب أن يُجعلَ سماعُهم لها من تمام الشرط ولأن فيه زيادةَ تشنيعٍ لهم على ما أتَوْا من السكوت ثم العتاب
{قَالُواْ} أي الساكتون موبّخين لمنافقيهم على ما صنعوا
{أَتُحَدّثُونَهُم} يعنون المؤمنين
{بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} ما موصولةٌ والعائدُ محذوفٌ أي بيَّنه لكم خاصةً في التوراة من نعْت النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم والتعبيرِ عنه بالفتْح للإيذان بأنه سرٌّ مكنونٌ وباب مغلَقٌ لا يقف عليه أحدٌ وتجويزُ كونِ هذا التوبيخ من جهة المنافقين لأعقابهم إراءةً للتصلُّب في دينهم كما ذهب إليه عصابةٌ مما لا يليق بشأن التنزيل الجليلِ واللامُ في قولِه عزَّ وجلَّ
{لِيُحَاجُّوكُم بِهِ} متعلقةٌ بالتحديث دون الفتح والمرادُ تأكيدُ النكير وتشديدُ التوبيخ فإن التحديثَ بذلك وإن كان مُنْكراً في نفسه لكن التحديثَ به لأجل هذا الغرض
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 117