responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود    الجزء : 1  صفحة : 116
البقرة (75)

{أَفَتَطْمَعُونَ} تلوينٌ للخطاب وصرْفٌ له عن اليهود إثرَ ما عدت هناتهم ونُعيتْ عليهم جناياتُهم إلى النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم وَمَنْ مَعَهُ من المؤمنينَ والهمزةُ لإنكار الواقِع واستبعادِه كما في قولك أتضرب أباك لا لإنكار الوقوعِ كما في قوله أأضرِب أبي والفاء للعطف على مقدّرٍ يقتضيه المقامُ ويستدعيه نظامُ الكلام لكن لا على قصد توجيهِ الإنكارِ إلى المعطوفين معاً كما في أفلا تبصرون على تقدير المعطوفِ عليه منفياً أي ألا تنظُرون فلا تبصرونَ فالمُنْكَر كلا الأمرين بل إلى ترتب الثاني على الأول مع وجوب أن يترتبَ عليه نقيضُه كما إذا قُدِّر الأول مُثْبتاً أي أتنظرون فلا تبصرون فالمنْكَر ترتُّبُ الثاني على الأول مع وجوب أن يترتبَ عليه نقيضه أي أتسمعون أخبارَهم وتعلمون أحوالَهم فتطمعون ومآلُ المعنى أبَعْدَ أنْ علِمتم تفاصيلَ شؤونِهم المُؤْيِسةِ عنهم تطمعون
{أَن يُؤْمِنُواْ} فإنهم متماثلون في شدة الشكيمةِ والأخلاقِ الذميمة لا يتأتى من أخلاقهم إلا مثلُ ما أتى من أسلافِهم وأنْ مصدريةٌ حذف عنها الجارُّ والأصلُ في أن يؤمنوا وهيَ مع ما في حيزها في محل النصبِ أو الجرِّ على الخلاف المعروف واللام في لَكُمْ لتضمين معنى الاستجابة كما في قوله عز وجل {فآمن لَهُ لُوطٌ} أي في إيمانهم مستجيبين لكم أو للتعليل أي في أن يُحدثوا الإيمان لأجل دعوتِكم وصلةُ الإيمان محذوفةٌ لظهور أن المرادَ به معناه الشرعيُّ وستقف على ما فيه من المزية بإذن الله تعالى
{وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ} الفريقُ اسمُ جمع لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم والجار والمجرور في محل الرفعِ أي فريق كائنٌ منهم وقوله تعالى
{يَسْمَعُونَ كلام الله} خبرُ كان وقرئ كلِمَ الله والجملة حاليةٌ مؤكِّدة للإنكار حاسمةٌ لمادة الطمَع مثلُ أحوالِهم الشنيعةِ المحْكيةِ فيما سلف على منهاج قوله {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} بعد قوله تعالى {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى} أي والحالُ أن طائفةً منهم قال ابن عباس رضي الله عنهما هم قومٌ من السبعين المختارين للميقات كانوا يسمعون كلامَه تعالى حين كلَّم مُوسى عليه السلامُ بالطور وما أُمِرَ به ونُهيَ عنه
{ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ} عن مواضعه لا لقصورِ فهمِهم عن الإحاطة بتفاصيله على ما ينبغي لاستيلاء الدهشةِ والمهابةِ حسبما يقتضيه مقامُ الكبرياء بل
{مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} أي فهِموه وضبَطوه بعقولهم ولم تبقَ لهم في مضمونه ولا في كونه كلامَ ربِّ العزةِ رِيبةٌ أصلاً فلما رجَعوا إلى قومهم أدّاه الصادقون إليهم كما سمعوا وهؤلاء قالوا سمعنا الله تعالى يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياءَ فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا فلا بأس فثُم للتراخِي زماناً أو رتبةً وقال القفال سمِعوا كلامَ الله وعقَلوا مرادَه تعالى منه فأوّلوه تأويلاً فاسداً وقيل هم رؤساءُ أسلافِهم الذين تولَّوْا تحريفَ التوراة بعد ما أحاطوا بما فيها علماً وقيل هم الذين غيروا نعت النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم في عصره وبدّلوا آيةَ الرجْم ويأباه الجمعُ بينَ صيغتي المَاضِي والمستقبل الدالِّ على وقوع السماعِ والتحريفِ فيما سلف الاأن يُحملَ ذلك على تقدّمه على زمانِ نزولِ الآية الكريمةِ لا على تقدمه على عهدِه عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ هذا والأول هو الأنسبُ بالسماع والكلام إذ

اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست