responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 354
ظُهُورِهِمْ
[الْأَنْعَامِ: 31] وَقَالَ تَعَالَى: وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ [الْأَحْزَابِ: 72] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: (امْرَأَتُهُ) إِنْ رَفَعْتَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ فِي سَيَصْلى، أَيْ سيصلى هو وامرأته. وفِي جِيدِها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالثَّانِي: الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِي جِيدِهَا الْخَبَرُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
عَنْ أَسْمَاءَ لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ جَاءَتْ أُمُّ جَمِيلٍ وَلَهَا وَلْوَلَةٌ وَبِيَدِهَا حَجَرٌ، فَدَخَلَتِ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهِيَ تَقُولُ:
مُذَمَّمًا قَلَيْنَا ... وَدِينَهُ أَبَيْنَا
وَحُكْمَهُ عَصَيْنَا
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَقْبَلَتْ إِلَيْكَ فَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّهَا لَا تَرَانِي» وَقَرَأَ:
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء: 45] وَقَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ: قَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا هَجَاكِ، فَوَلَّتْ وَهِيَ تَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي بِنْتُ سَيِّدِهَا
وَفِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَبْحَاثٌ:
الْأَوَّلُ: كَيْفَ جَازَ فِي أُمِّ جَمِيلٍ أَنْ لَا تَرَى الرَّسُولَ، وَتَرَى أَبَا بَكْرٍ وَالْمَكَانُ وَاحِدٌ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ، لِأَنَّ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرَائِطِ يَكُونُ الْإِدْرَاكُ جَائِزًا لَا وَاجِبًا، فَإِنْ خَلَقَ اللَّهُ الْإِدْرَاكَ رَأَى وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: لَعَلَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْرَضَ وَجْهَهُ عَنْهَا وَوَلَّاهَا ظَهْرَهُ، ثُمَّ إِنَّهَا كَانَتْ لِغَايَةِ غَضَبِهَا لَمْ تُفَتِّشْ، أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ أَلْقَى فِي قَلْبِهَا خَوْفًا، فَصَارَ ذَلِكَ صَارِفًا لَهَا عَنِ النَّظَرِ وَثَانِيهَا: لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى شَبَهَ إِنْسَانٍ آخَرَ عَلَى الرَّسُولِ، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِعِيسَى وَثَالِثُهَا: لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى حَوَّلَ شُعَاعَ بَصَرِهَا عَنْ ذَلِكَ السَّمْتِ حَتَّى إِنَّهَا مَا رَأَتْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ عَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَازِمٌ، لِأَنَّ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ عَرَفْنَا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حاضر وَلَا نَرَاهُ، وَإِذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا فِيلَاتٌ وَبُوقَاتٌ، وَلَا نَرَاهَا وَلَا نَسْمَعُهَا [1] .
الْبَحْثُ الثَّانِي: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَلَفَ أَنَّهُ مَا هَجَاكِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمَعَارِيضِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُسَمَّى هَجْوًا، وَلِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ لَا كَلَامُ الرَّسُولِ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَلَى جَوَازِ الْمَعَارِيضِ.
بَقِيَ مِنْ مَبَاحِثِ هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ: وَامْرَأَتُهُ بَلْ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا حَمَّالَةُ الْحَطَبِ؟ الْجَوَابُ: قِيلَ: كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ سِوَاهَا فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ أَرَادَ كُلَّ مَنْ كَانَتِ امْرَأَةً لَهُ، بَلْ لَيْسَ الْمُرَادُ إِلَّا هَذِهِ الْوَاحِدَةَ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنَّ ذِكْرَ النِّسَاءِ لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الْكَرَمِ وَالْمُرُوءَةِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ ذِكْرُهَا بِكَلَامِ اللَّهِ، وَلَا سِيَّمَا امْرَأَةُ الْعَمِّ؟ الْجَوَابُ: لَمَّا لم يستعبد فِي امْرَأَةِ نُوحٍ وَامْرَأَةِ لُوطٍ بِسَبَبِ كُفْرِ تَيْنِكَ الْمَرْأَتَيْنِ، فَلِأَنْ لَا يُسْتَبْعَدَ فِي امْرَأَةٍ كافرة زوجها رجل كافر أولى.

[1] إنما يرد الإشكال عند من لا يقولون بالمعجزات وخوارق العادات وهي أمور لا يستطاع مع العقل جحدها ولا إنكارها، أما من يقول بها، فلا إشكال.
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 354
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست