responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 353
تَرَكَهُ ابْنَاهُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مَا يَدْفِنَاهُ حَتَّى أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي الْعَدَسَةَ وَعَدْوَاهَا كَمَا يَتَّقِي النَّاسُ الطَّاعُونَ، وَقَالُوا نَخْشَى هَذِهِ الْقُرْحَةَ، ثُمَّ دَفَنُوهُ وَتَرَكُوهُ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ وَثَالِثُهَا: الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: احْتَجَّ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى وُقُوعِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَ أَبَا لَهَبٍ بِالْإِيمَانِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِيمَانِ تَصْدِيقُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ، وَمِمَّا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَأَنَّهُ من أهل النار، فقد صار مكلفا بأنه يُؤْمِنَ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، وَهَذَا تَكْلِيفٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ. وَأَجَابَ الْكَعْبِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ آمَنَ أَبُو لَهَبٍ لكان لهذا الخبر خبرا بِأَنَّهُ آمَنَ، لَا بِأَنَّهُ مَا آمَنَ، وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ فَقَالَ: مَتَى قِيلَ: لَوْ فَعَلَ اللَّهُ مَا أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ؟ فَجَوَابُنَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِلَا أَوْ نَعَمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ خَبَرَ اللَّهِ عَنْ عَدَمِ إِيمَانِهِ وَاقِعٌ، وَالْخَبَرُ الصِّدْقُ عَنْ عَدَمِ إِيمَانِهِ يُنَافِيهِ وُجُودُ الْإِيمَانِ مُنَافَاةً ذَاتِيَّةً مُمْتَنِعَةَ الزَّوَالِ فَإِذَا كَانَ كَلَّفَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِيمَانِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْخَبَرِ فَقَدْ كَلَّفَهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي: فَأَرَكُّ مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّا لَسْنَا فِي طَلَبِ أَنْ يَذْكُرُوا بِلِسَانِهِمْ لَا أَوْ نَعَمْ، بَلْ صَرِيحُ الْعَقْلِ شَاهِدٌ بِأَنَّ بَيْنَ كَوْنِ الْخَبَرِ عَنْ عَدَمِ الْإِيمَانِ صِدْقًا، وَبَيْنَ وُجُودِ الْإِيمَانِ مُنَافَاةً ذَاتِيَّةً، فَكَانَ التَّكْلِيفُ بِتَحْصِيلِ أَحَدِ الْمُتَضَادَّيْنِ حَالَ حُصُولِ الْآخَرِ تَكْلِيفًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ قَائِمٌ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْخَصْمُ بِلِسَانِهِ شَيْئًا أم بقي ساكتا. أما قوله تعالى:

[سورة المسد (111) : آية 4]
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قُرِئَ (وَمُرَيْئَتُهُ) بِالتَّصْغِيرِ وَقُرِئَ (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الشَّتْمِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَأَنَا أَسْتَحِبُّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ وَقَدْ تَوَسَّلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَمِيلٍ مَنْ أَحَبَّ شَتْمَ أُمِّ جَمِيلٍ وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ وَالرَّفْعِ.
المسألة الثانية: أم جميل بن حَرْبٍ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ عَمَّةُ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ فِي غَايَةِ الْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ كَوْنِهَا حَمَّالَةَ الْحَطَبِ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ حُزْمَةً مِنَ الشَّوْكِ وَالْحَسَكِ فَتَنْثُرُهَا بِاللَّيْلِ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْعِزِّ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهَا حَمَّالَةُ الْحَطَبِ؟ قُلْنَا:
لَعَلَّهَا كَانَتْ مَعَ كَثْرَةِ مَالِهَا خَسِيسَةً أَوْ كَانَتْ لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهَا تَحْمِلُ بِنَفْسِهَا الشَّوْكَ وَالْحَطَبَ، لِأَجْلِ أَنْ تُلْقِيَهُ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ وَثَانِيهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ يُقَالُ: لِلْمَشَّاءِ بِالنَّمَائِمِ الْمُفْسِدِ بَيْنَ النَّاسِ: يَحْمِلُ الْحَطَبَ بَيْنَهُمْ، أَيْ يُوقِدُ بَيْنَهُمُ النَّائِرَةَ، وَيُقَالُ لِلْمِكْثَارِ: هُوَ حَاطِبُ/ لَيْلٍ وَثَالِثُهَا: قَوْلُ قَتَادَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تُعَيِّرُ رَسُولَ اللَّهِ بِالْفَقْرِ، فَعُيِّرَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَطِبُ وَالرَّابِعُ: قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الْمُرَادَ مَا حَمَلَتْ مِنَ الْآثَامِ فِي عَدَاوَةِ الرَّسُولِ، لِأَنَّهُ كالحطب في تصيرها إِلَى النَّارِ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ فَاعِلَ الْإِثْمِ بِمَنْ يَمْشِي وَعَلَى ظَهْرِهِ حِمْلٌ، قَالَ تَعَالَى: فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الْأَحْزَابِ: 58] وَقَالَ تَعَالَى: يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 353
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست