responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 81
(إِنَّمَا) مُرَكَّبَةٌ مِنْ «إِنَّ» وَ «مَا» وَكَلِمَةُ إِنَّ لِلْإِثْبَاتِ وَكَلِمَةُ مَا لِلنَّفْيِ، فَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وَجَبَ بَقَاؤُهُمَا عَلَى هَذَا الْمَفْهُومِ، فَوَجَبَ أَنْ يفيدا ثبوت الْمَذْكُورَ، وَعَدَمَ مَا يُغَايِرُهُ. الثَّانِي: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَمَسَّكَ فِي نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ»
وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَأَيْضًا تَمَسَّكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي أَنَّ الْإِكْسَالَ لَا يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»
وَلَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُفِيدُ الْحَصْرَ وَإِلَّا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ [النِّسَاءِ: 171] وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ نَفْيِ الْإِلَهِيَّةِ لِلْغَيْرِ وَالثَّالِثُ: الشِّعْرُ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَلَسْتُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقِ:
أَنَا الذَّائِدُ الْحَامِي الذِّمَارَ وَإِنَّمَا ... يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي
فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ كَلِمَةَ (إِنَّمَا) لِلْحَصْرِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَاتِ لَا تُصْرَفُ إِلَّا لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ
أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِرَجُلٍ: «إِنْ كُنْتَ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فَلَكَ فِيهَا حَقٌّ وَإِلَّا فَهُوَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ، وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ»
وَقَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَلْمِزُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ، بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْخُذُهَا لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَلَا يَأْخُذُهَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَقَارِبِهِ وَمُتَّصِلِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيلِ مِنْ مَالِ الْغَنِيِّ لِيُصْرَفَ إِلَى الْفَقِيرِ فِي دَفْعِ حَاجَتِهِ هُوَ الْحِكْمَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَالْمَصْلَحَةُ اللَّازِمَةُ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ هَمْزُ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْزُهُمْ عَيْنَ السَّفَهِ وَالْجَهَالَةِ.
فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ: «مَا أُوتِيكُمْ شَيْئًا وَلَا أَمْنَعُكُمْ، إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَةِ إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالنَّخَعِيِّ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَوْ نَظَرْتُ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فُقَرَاءَ مُتَعَفِّفِينَ فَحَبَوْتُهُمْ بِهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا بُدَّ مِنْ صَرْفِهَا إِلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْقِسْمَةَ فِي نَصِّ الْكِتَابِ. ثُمَّ أَكَّدَهَا بِقَوْلِهِ: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ قَالَ: / وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، فَإِنْ دَفَعَ سَهْمَ الْفُقَرَاءِ إِلَى فَقِيرَيْنِ ضَمِنَ نَصِيبَ الثَّالِثِ وَهُوَ ثُلُثُ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ. قَالَ: وَلَا بُدَّ مِنَ التَّسْوِيَةِ فِي أَنْصِبَاءِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، مِثْلُ أَنَّكَ إِنْ وَجَدْتَ خَمْسَةَ أَصْنَافٍ وَلَزِمَكَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، جُعِلَتِ الْعَشَرَةُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ كُلُّ سَهْمٍ دِرْهَمَانِ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ. ثُمَّ يَلْزَمُكَ أَنْ تَدْفَعَ إِلَى كُلِّ صِنْفٍ دِرْهَمَيْنِ وَأَقَلُّ عَدَدِهِمْ ثَلَاثَةٌ، وَلَا يَلْزَمُكَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، فَلَكَ أَنْ تُعْطِيَ فَقِيرًا دِرْهَمًا وَفَقِيرًا خَمْسَةَ أَسْدَاسِ دِرْهَمٍ وَفَقِيرًا سُدُسَ دِرْهَمٍ، هَذِهِ صِفَةُ قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
الْآيَةُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ تَعَالَى جعل جملة الصَّدَقَاتِ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي فِي صَدَقَةِ زَيْدٍ بِعَيْنِهِ أَنْ تَكُونَ لِجُمْلَةِ هَؤُلَاءِ الثَّمَانِيَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ.
أَمَّا النَّقْلُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الْأَنْفَالِ: 41] الْآيَةَ، فَأَثْبَتَ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ لِهَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ الْخَمْسِ، ثُمَّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُغْنَمُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَفْرِقَتُهُ عَلَى هَذِهِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 81
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست