responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 80
أَنَّ الْفُقَرَاءَ عِيَالُ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هُودٍ: 6] وَالْأَغْنِيَاءُ خُزَّانُ اللَّهِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَاهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَإِلَّا لَمَا مَلَكُوا مِنْهَا حَبَّةً، فَكَمْ مِنْ عَاقِلٍ ذَكِيٍّ يَسْعَى أَشَدَّ السَّعْيِ، وَلَا يَمْلِكُ مِلْءَ بَطْنِهِ طَعَامًا، وَكَمْ مِنْ أَبْلَهٍ جِلْفٍ تَأْتِيهِ الدُّنْيَا عَفْوًا صَفْوًا.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ أَنْ يَقُولَ الْمَلِكُ لِخَازِنِهِ: اصْرِفْ طَائِفَةً مِمَّا فِي تِلْكَ الْخِزَانَةِ إِلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ عَبِيدِي.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: الْمَالُ بِالْكُلِّيَّةِ فِي يَدِ الْغَنِيِّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، وَإِهْمَالُ جَانِبِ الْفَقِيرِ/ الْعَاجِزِ عَنِ الْكَسْبِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ الْحَكِيمِ الرَّحِيمِ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْغَنِيِّ صَرْفُ طَائِفَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ إِلَى الْفَقِيرِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَبْقَى فِي يَدِ الْمَالِكِ أَكْثَرَ ذَلِكَ المال وصرف إلى الفقير منه جزأ قَلِيلًا، تَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ جَبْرِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَيَرْبَحَ وَيَزُولَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ.
أَمَّا الْفَقِيرُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ أَصْلًا، فَلَوْ لَمْ يُصْرَفْ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ لَبَقِيَ مُعَطَّلًا وَلَيْسَ لَهُ مَا يَجْبُرُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ لَوْ لَمْ يَقُومُوا بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ الْفُقَرَاءِ فَرُبَّمَا حَمَلَهُمْ شِدَّةُ الْحَاجَةِ وَمَضَرَّةُ الْمَسْكَنَةِ عَلَى الِالْتِحَاقِ بِأَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ كَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ إِيجَابُ الزَّكَاةِ يُفِيدُ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا.
الْوَجْهُ السَّابِعُ:
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْإِيمَانُ نِصْفَانِ، نِصْفُ صَبْرٌ وَنِصْفٌ شُكْرٌ»
وَالْمَالُ مَحْبُوبٌ بِالطَّبْعِ، فَوِجْدَانُهُ يُوجِبُ الشُّكْرَ وَفُقْدَانُهُ يُوجِبُ الصَّبْرَ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَيُّهَا الْغَنِيُّ أَعْطَيْتُكَ الْمَالَ فَشَكَرْتَ فَصِرْتَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَأَخْرِجْ مِنْ يَدِكَ نَصِيبًا مِنْهُ حَتَّى تَصْبِرَ عَلَى فُقْدَانِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَتَصِيرَ بِسَبَبِهِ مِنَ الصَّابِرِينَ، وَأَيُّهَا الْفَقِيرُ مَا أَعْطَيْتُكَ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ فصبرت فصرت من الصابرين، ولكني أُوجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ أَنْ يَصْرِفَ إِلَيْكَ طَائِفَةً من ذلك المال حتى إذا دخل ذَلِكَ الْمِقْدَارُ فِي مِلْكِكَ شَكَرْتَنِي، فَصِرْتَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَكَانَ إِيجَابُ الزَّكَاةِ سَبَبًا فِي جَعْلِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مَوْصُوفِينَ بِصِفَةِ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ مَعًا.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ: كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ لِلْفَقِيرِ إِنْ كُنْتُ قَدْ مَنَعْتُكَ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ، وَلَكِنِّي جَعَلْتُ نَفْسِي مَدْيُونًا مِنْ قِبَلِكَ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَعْطَيْتُ الْغَنِيَّ أَمْوَالًا كَثِيرَةً لَكِنِّي كَلَّفْتُهُ أَنْ يعدوا خَلْفَكَ، وَأَنْ يَتَضَرَّعَ إِلَيْكَ حَتَّى تَأْخُذَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْهُ، فَتَكُونَ كَالْمُنْعِمِ عَلَيْهِ بِأَنْ خَلَّصْتَهُ مِنَ النَّارِ.
فَإِنْ قَالَ الْغَنِيُّ: قَدْ أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ بِهَذَا الدِّينَارِ، فَقُلْ أَيُّهَا الْفَقِيرُ بَلْ أَنَا الْمُنْعِمُ عَلَيْكَ حَيْثُ خَلَّصْتُكَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الذَّمِّ وَالْعَارِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الْوُجُوهِ فِي حِكْمَةِ إِيجَابِ الزَّكَاةِ بَعْضُهَا يَقِينِيَّةٌ، وَبَعْضُهَا إِقْنَاعِيَّةٌ، وَالْعَالِمُ بِأَسْرَارِ حُكْمِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ لَيْسَ إِلَّا اللَّهَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الصَّدَقَاتِ/ لِأَحَدٍ إِلَّا لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَلَفْظَةُ (إِنَّمَا) تُفِيدُ الْحَصْرَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ كلمة

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 80
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست