responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 25
فَإِنَّهُ تَعَالَى كَفَّرَ النَّصَارَى بِسَبَبِ أَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا حُلُولَ كَلِمَةِ اللَّهِ فِي عِيسَى وَهَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا حُلُولَ كَلِمَةِ اللَّهِ فِي أَلْسِنَةِ جَمِيعِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَفِي جَمِيعِ الْأَجْسَامِ الَّتِي كُتِبَ فِيهَا الْقُرْآنُ، فَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ بِالْحُلُولِ فِي حَقِّ الذَّاتِ الْوَاحِدَةِ يُوجِبُ التَّكْفِيرَ، فَلِأَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِالْحُلُولِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَجْسَامِ مُوجِبًا لِلْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ كَانَ أَوْلَى.
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: مِنْ صِفَاتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: إِنْكَارُ الْبَعْثِ الْجُسْمَانِيِّ، فَكَأَنَّهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الْبَعْثِ الرُّوحَانِيِّ.
وَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنْوَاعَ السَّعَادَاتِ وَالشَّقَّاوَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَدَلَّلْنَا عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهَا وَبَيَّنَّا دَلَالَةَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنَّا مَعَ ذَلِكَ نُثْبِتُ السَّعَادَاتِ وَالشَّقَّاوَاتِ الْجُسْمَانِيَّةَ، وَنَعْتَرِفُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ أَهْلَ الْجَنَّةِ، بِحَيْثُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَبِالْجَوَارِي يَتَمَتَّعُونَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْحَشْرَ وَالْبَعْثَ الْجُسْمَانِيَّ، فَقَدْ أَنْكَرَ صَرِيحَ الْقُرْآنِ، وَلَمَّا كَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مُنْكِرِينَ لِهَذَا الْمَعْنَى، ثَبَتَ كَوْنُهُمْ مُنْكِرِينَ لِلْيَوْمِ الْآخِرِ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: مِنْ صِفَاتِهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ مَا حُرِّمَ فِي الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ الرَّسُولِ. وَالثَّانِي: قَالَ أَبُو رَوْقٍ: لَا يَعْمَلُونَ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، بَلْ حَرَّفُوهُمَا وَأَتَوْا بِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ.
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يُقَالُ: فُلَانٌ يَدِينُ بِكَذَا، إِذَا اتَّخَذَهُ دِينًا فَهُوَ مُعْتَقَدُهُ، فَقَوْلُهُ: وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ أَيْ لَا يَعْتَقِدُونَ فِي صِحَّةِ دِينِ/ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الدِّينُ الْحَقُّ، وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعَةَ قَالَ: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعَةِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمَقْصُودُ تَمْيِيزُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحُكْمِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُشْرِكِينَ الْقِتَالُ أَوِ الْإِسْلَامُ، وَالْوَاجِبُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الْقِتَالُ أَوِ الْإِسْلَامُ أَوِ الْجِزْيَةُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْجِزْيَةُ هِيَ مَا يُعْطِي الْمَعَاهَدُ عَلَى عَهْدِهِ، وَهِيَ فِعْلَةٌ مِنْ جَزَى يَجْزِي إِذَا قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: عَنْ يَدٍ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قَوْلُهُ: عَنْ يَدٍ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ يَدُ الْمُعْطِي أَوْ يَدُ الْآخِذِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُعْطِيَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَنْ يَدٍ مُؤَاتِيَةٍ غَيْرِ مُمْتَنِعَةٍ، لِأَنَّ مَنْ أَبَى وَامْتَنَعَ لَمْ يُعْطِ يَدَهُ بِخِلَافِ الْمُطِيعِ الْمُنْقَادِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَعْطَى يَدَهُ إِذَا انْقَادَ وَأَطَاعَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ نَزَعَ يَدَهُ عَنِ الطَّاعَةِ، كَمَا يُقَالُ: خَلَعَ رِبْقَةَ الطَّاعَةِ مِنْ عُنُقِهِ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَتَّى يُعْطُوهَا عَنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ نَقْدًا غَيْرَ نَسِيئَةٍ وَلَا مَبْعُوثًا عَلَى يَدِ أَحَدٍ، بَلْ عَلَى يَدِ الْمُعْطِي إِلَى يَدِ الْآخِذِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ يَدَ الْآخِذِ فَفِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ قَاهِرَةٍ مُسْتَوْلِيَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقُولُ:
الْيَدُ فِي هَذَا لِفُلَانٍ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَنْ إِنْعَامٍ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَتَرْكَ أَرْوَاحِهِمْ عَلَيْهِمْ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهُمْ صاغِرُونَ فَالْمَعْنَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى الصَّغَارِ وَالذُّلِّ وَالْهَوَانِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا بِنَفْسِهِ مَاشِيًا غَيْرَ رَاكِبٍ، وَيُسَلِّمَهَا وَهُوَ قَائِمٌ وَالْمُتَسَلِّمُ جَالِسٌ وَيُؤْخَذُ بِلِحْيَتِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ الْجِزْيَةَ وَإِنْ كَانَ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 25
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست