responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 24
حَالًّا فِيهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ، وَمَا ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ أَنَّ الْإِلَهَ مَوْجُودٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا حَالًّا فِي جِسْمٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُشَبِّهُ مُنْكِرًا لِوُجُودِ الْإِلَهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْيَهُودَ مُنْكِرُونَ لِوُجُودِ الْإِلَهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْيَهُودُ قِسْمَانِ: مِنْهُمْ مُشَبِّهَةٌ، وَمِنْهُمْ مُوَحِّدَةٌ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ فَهَبْ أَنَّ الْمُشَبِّهَةَ مِنْهُمْ مُنْكِرُونَ لِوُجُودِ الْإِلَهِ، فَمَا قَوْلُكُمْ فِي مُوَحِّدَةِ الْيَهُودِ؟
قُلْنَا: أُولَئِكَ لَا يَكُونُونَ دَاخِلِينَ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَكِنَّ إِيجَابَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُقَالَ: لَمَّا ثَبَتَ وُجُوبُ الْجِزْيَةِ عَلَى بَعْضِهِمْ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ فِي حَقِّ الْكُلِّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. وَأَمَّا النَّصَارَى: فَهُمْ يَقُولُونَ:
بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُنَافِي الْإِلَهِيَّةَ.
فَإِنْ قِيلَ: حَاصِلُ الْكَلَامِ: أَنَّ كُلَّ مَنْ نَازَعَ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، كَانَ مُنْكِرًا لِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ تَقُولُوا: إِنَّ أَكْثَرَ الْمُتَكَلِّمِينَ مُنْكِرُونَ لِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا شَدِيدًا فِي هَذَا الْبَابِ، فَالْأَشْعَرِيُّ أَثْبَتَ الْبَقَاءَ صِفَةً، وَالْقَاضِي أَنْكَرَهُ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ سَعِيدٍ أَثْبَتَ الْقِدَمَ صِفَةً، وَالْبَاقُونَ أَنْكَرُوهُ، وَالْقَاضِي أَثْبَتَ إِدْرَاكَ الطُّعُومِ، وَإِدْرَاكَ الرَّوَائِحِ، وَإِدْرَاكَ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي حَقِّ الْبَشَرِ بِإِدْرَاكِ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنْكَرَهُ، وَأَثْبَتَ الْقَاضِي لِلصِّفَاتِ السَّبْعِ أَحْوَالًا سَبْعَةً مُعَلَّلَةً بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَنُفَاةُ الْأَحْوَالِ أَنْكَرُوهُ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ سَعِيدٍ زَعَمَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ في الأول مَا كَانَ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا وَلَا خَبَرًا، ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ فِي الْإِنْزَالِ، وَالْبَاقُونَ أَنْكَرُوهُ، وَقَوْمٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ أَثْبَتُوا لِلَّهِ خَمْسَ كَلِمَاتٍ، فِي الْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالْخَبَرِ، وَالِاسْتِخْبَارِ، وَالنِّدَاءِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ هَلْ هُوَ مَقْدُورٌ أَمْ لَا؟ فَثَبَتَ بِهَذَا حُصُولُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ، وَأَمَّا اخْتِلَافَاتُ الْمُعْتَزِلَةِ وَسَائِرِ الْفِرَقِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُمْكِنَ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ فِي الصِّفَاتِ مُوجِبًا إِنْكَارَ الذَّاتِ أَوْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ؟ فَإِنْ أَوْجَبَهُ لَزِمَ فِي أَكْثَرِ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْإِلَهَ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَهَابِ بَعْضِ الْيَهُودِ وَذَهَابِ النَّصَارَى إِلَى الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ كَوْنُهُمْ مُنْكِرِينَ لِلْإِيمَانِ باللَّه، وَأَيْضًا فَمَذْهَبُ النَّصَارَى أَنَّ أُقْنُومَ الْكَلِمَةِ حَلَّ فِي عِيسَى، وَحَشْوِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ مَنْ قَرَأَ/ كَلَامَ اللَّهِ فَالَّذِي يَقْرَؤُهُ هُوَ عَيْنُ كَلَامِ تَعَالَى، وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ صِفَةُ اللَّهِ يَدْخُلُ فِي لِسَانِ هَذَا الْقَارِئِ وَفِي لِسَانِ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ، وَإِذَا كُتِبَ كَلَامُ اللَّهِ فِي جِسْمٍ فَقَدْ حَلَّ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْجِسْمِ فَالنَّصَارَى إِنَّمَا أَثْبَتُوا الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ فِي حَقِّ عِيسَى. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْحَمْقَى فَأَثْبَتُوا كَلِمَةَ اللَّهِ فِي كُلِّ إِنْسَانٍ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَفِي كُلِّ جِسْمٍ كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ، فَإِنْ صَحَّ فِي حَقِّ النَّصَارَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ باللَّه بِهَذَا السَّبَبِ، وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ الْحُرُوفِيَّةِ وَالْحُلُولِيَّةِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ باللَّه، فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا السُّؤَالِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِلَهَ جِسْمٌ فَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْإِلَهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ مَوْجُودٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا حَالٍّ فِي الْجِسْمِ، فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُجَسِّمُ هَذَا الْمَوْجُودَ فَقَدْ أَنْكَرَ ذَاتَ الْإِلَهِ تَعَالَى، فَالْخِلَافُ بَيْنَ الْمُجَسِّمِ وَالْمُوَحِّدِ لَيْسَ فِي الصِّفَةِ، بَلْ فِي الذَّاتِ، فَصَحَّ فِي الْمُجَسِّمِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ باللَّه أَمَّا الْمَسَائِلُ الَّتِي حَكَيْتُمُوهَا فَهِيَ اخْتِلَافَاتٌ فِي الصِّفَةِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ. وَأَمَّا إِلْزَامُ مَذْهَبِ الْحُلُولِيَّةِ وَالْحُرُوفِيَّةِ، فَنَحْنُ نُكَفِّرُهُمْ قَطْعًا،

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 24
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست