responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 20
قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَالْعَقْلُ أَيْضًا دَلَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُصُولُ ذَلِكَ الدَّاعِي فِي الْقَلْبِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، لَتَوَقَّفَ عَلَى حُصُولِ دَاعٍ آخَرَ وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَهُوَ مُحَالٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي الَّذِي فَعَلَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ إِنْزَالُ الْمَلَائِكَةِ، وَلَيْسَ فِي الظَّاهِرِ مَا يَدُلُّ على عدد الْمَلَائِكَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَمَدَّ اللَّهُ نَبِيَّهَ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْعَدَدَ قِيَاسًا عَلَى يَوْمِ بَدْرٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ: لَمَّا كَشَفْنَا الْمُسْلِمِينَ جَعَلْنَا نَسُوقُهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى صَاحِبِ الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ، تَلَقَّانَا رِجَالٌ بِيضُ الْوُجُوهِ حِسَانٌ، فَقَالُوا شَاهَتِ الْوُجُوهُ ارْجِعُوا فَرَجَعْنَا فَرَكِبُوا أَكْتَافَنَا، وَأَيْضًا اخْتَلَفُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ هَلْ قَاتَلُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَاتَلُوا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَا قَاتَلُوا إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ وَأَمَّا فَائِدَةُ نُزُولِهِمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَهُوَ إِلْقَاءُ الْخَوَاطِرِ الْحَسَنَةِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّالِثُ الَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّعْذِيبِ قَتْلُهُمْ وَأَسْرُهُمْ وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقُ اللَّهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّعْذِيبِ لَيْسَ إِلَّا الْأَخْذَ وَالْأَسْرَ وَهُوَ تَعَالَى نَسَبَ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ مَجْمُوعُ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ دَلِيلًا بَيِّنًا ثَابِتًا، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّمَا نَسَبَ تَعَالَى ذَلِكَ الْفِعْلَ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِأَمْرِهِ، وَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ.
ثُمَّ قَالَ: وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ التَّعْذِيبَ هُوَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِيقَةِ تَمَسَّكُوا فِي مَسْأَلَةِ الْجَلْدِ مَعَ التَّعْزِيرِ بِقَوْلِهِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا [النُّورِ: 2] قَالُوا الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْجَلْدِ جَزَاءً، وَالْجَزَاءُ اسْمٌ لِلْكَافِي، وَكَوْنُ الْجَلْدِ كَافِيًا يَمْنَعُ كَوْنَ غَيْرِهِ مَشْرُوعًا مَعَهُ فَنَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَنْهُ الْجَزَاءُ لَيْسَ اسْمًا لِلْكَافِي، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى هَذَا التَّعْذِيبَ جَزَاءً، مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ الدَّائِمَةَ فِي الْقِيَامَةِ مُدَّخَرَةٌ لَهُمْ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ لَيْسَ اسْمًا لِمَا يَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ يَعْنِي أَنَّ مَعَ كُلِّ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْخِذْلَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّهُ تعالى قد يتوب على تعضهم بِأَنْ يُزِيلَ عَنْ قَلْبِهِ الْكُفْرَ وَيَخْلُقَ فِيهِ الْإِسْلَامَ. قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ فَإِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ جَرَى عَلَيْهِمْ مَا جَرَى، إِذَا أَسْلَمُوا وَتَابُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ التَّوْبَةَ إِنَّمَا حَصَلَتْ لَهُمْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ في قوله: فَتابَ عَلَيْهِ [البقرة: 37] ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ غَفُورٌ لِمَنْ تَابَ، رَحِيمٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا. والله أعلم.

[سورة التوبة (9) : آية 28]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
[في قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي قُلُوبِ الْقَوْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَ عَلِيًّا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 20
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست