responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 19
لِقِتَالِ هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ عَسْكَرِ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا عشر آلَافٍ الَّذِينَ حَضَرُوا مَكَّةَ، وَأَلْفَانِ مِنَ الطُّلَقَاءِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا عَشَرَةَ آلَافٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانُوا عَدَدًا كَثِيرِينَ، وَكَانَ هَوَازِنُ وَثَقِيفٌ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَلَمَّا الْتَقَوْا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ:
لَنْ تغلب الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ، فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ سَاءَتْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ وَقِيلَ إِنَّهُ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ قَالَهَا أَبُو بَكْرٍ وَإِسْنَادُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّه مُنْقَطِعَ الْقَلْبِ عَنِ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَمَعْنَى الْإِغْنَاءِ إِعْطَاءُ مَا يَدْفَعُ الْحَاجَةَ فَقَوْلُهُ: فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً أَيْ لَمْ تُعْطِكُمْ شَيْئًا يَدْفَعُ حَاجَتَكُمْ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَغْلِبُونَ بِكَثْرَتِهِمْ، وَإِنَّمَا يَغْلِبُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، فَلَمَّا أُعْجِبُوا بِكَثْرَتِهِمْ صَارُوا مُنْهَزِمِينَ، وَقَوْلُهُ: وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ يُقَالُ رَحُبَ يَرْحُبُ رَحْبًا وَرَحَابَةً، فقوله: بِما رَحُبَتْ أي يرحبها، ومعناه مع رحبها «فما» هنا مَعَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ لِشِدَّةِ مَا لَحِقَكُمْ مِنَ الْخَوْفِ ضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ فَلَمْ تَجِدُوا فِيهَا مَوْضِعًا يَصْلُحُ لِفِرَارِكُمْ عَنْ عَدُوِّكُمْ. قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً فَلَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْكَشَفُوا وَكَبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو سفيان بن الحرث
قَالَ الْبَرَاءُ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُبُرَهُ قَطُّ، قَالَ: وَرَأَيْتُهُ وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِالرِّكَابِ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» وَطَفِقَ يُرْكِضُ بَغْلَتَهُ نَحْوَ الْكُفَّارِ لَا يُبَالِي، وَكَانَتْ بَغْلَتُهُ شَهْبَاءَ، ثُمَّ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: نَادِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ رَجُلًا صَيِّتًا، فَجَعَلَ يُنَادِي يَا عِبَادَ اللَّه يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ، يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَجَاءَ/ الْمُسْلِمُونَ حِينَ سَمِعُوا صَوْتَهُ عُنُقًا وَاحِدًا، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ كَفًّا مِنَ الْحَصَى فَرَمَاهُمْ بِهَا وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَمَا زَالَ أَمْرُهُمْ مُدْبِرًا، وَحَدُّهُمْ كَلِيلًا حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّه تَعَالَى، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدِ امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْكَثْرَةَ لَا تَنْفَعُ، وَأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ النَّصْرَ مَا كَانَ إِلَّا مِنَ اللَّه ذَكَرَ أُمُورًا ثَلَاثَةً:
أَحَدُهَا: إِنْزَالُ السَّكِينَةِ وَالسَّكِينَةُ مَا يَسْكُنُ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَالنَّفْسُ، وَيُوجِبُ الْأَمَنَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، وَأَظُنُّ وَجْهَ الِاسْتِعَارَةِ فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا خَافَ فَرَّ وَفُؤَادُهُ مُتَحَرِّكٌ، وَإِذَا أَمِنَ سَكَنَ وَثَبَتَ، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْنُ مُوجِبًا لِلسُّكُونِ جَعَلَ لَفْظَ السَّكِينَةِ كِنَايَةً عَنِ الْأَمْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ الدَّاعِي، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الدَّاعِي، لَيْسَ إِلَّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى.
أَمَّا بَيَانُ الْأَوَّلِ: فَهُوَ أَنَّ حَالَ انْهِزَامِ الْقَوْمِ لَمْ تَحْصُلْ دَاعِيَةُ السُّكُونِ وَالثَّبَاتِ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلَا جَرَمَ لَمْ يَحْصُلِ السُّكُونُ وَالثَّبَاتُ، بَلْ فَرَّ الْقَوْمُ وَانْهَزَمُوا وَلَمَّا حَصَلَتِ السَّكِينَةُ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ دَاعِيَةِ السُّكُونِ وَالثَّبَاتِ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ الله على الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَثَبَتُوا عِنْدَهُ وَسَكَنُوا فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْفِعْلِ مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ الدَّاعِيَةِ.
وَأَمَّا بَيَانُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ حُصُولَ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ صَرِيحٌ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست