responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 148
الذِّكْرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ، لَرَجُلٌ صَالِحٌ أَحَقُّ أَنْ تُجَالِسَهُ. فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى وَاحِدٍ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَالَ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِيَامُهُ فِي الْآخَرِ؟
قُلْنَا: الْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَكَانَ هَذَا أَوْلَى، لِلسَّبَبِ الْمَذْكُورِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى رَجَّحَ مَسْجِدَ التَّقْوَى بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بُنِيَ عَلَى التَّقْوَى، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ فِيهِ رِجَالًا يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَفِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنْهُ التَّطَهُّرُ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَهَذَا الْقَوْلُ مُتَعَيِّنٌ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّ التَّطَهُّرَ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِحْقَاقِ ثَوَابِهِ وَمَدْحِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ أَصْحَابَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ بِمُضَارَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَبَ كَوْنُ هَؤُلَاءِ بِالضِّدِّ مِنْ صِفَاتِهِمْ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا كَوْنُهُمْ مُبَرَّئِينَ عَنِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي. وَالثَّالِثُ: أَنَّ طَهَارَةَ الظَّاهِرِ إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهَا أَثَرٌ وَقَدْرٌ عِنْدَ اللَّهِ لَوْ حَصَلَتْ طَهَارَةُ الْبَاطِنِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، أَمَّا لَوْ حَصَلَتْ طَهَارَةُ الْبَاطِنِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَلَمْ تَحْصُلْ نَظَافَةُ الظَّاهِرِ، كَأَنَّ طَهَارَةَ الْبَاطِنِ لَهَا أَثَرٌ، فَكَانَ طَهَارَةُ الْبَاطِنِ أَوْلَى. الرَّابِعُ:
رَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَإِذَا الْأَنْصَارُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: «أَمُؤْمِنُونَ أَنْتُمْ» فَسَكَتَ الْقَوْمُ ثُمَّ أَعَادَهَا. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَمُؤْمِنُونَ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَتَرْضُونَ بِالْقَضَاءِ» قَالُوا نَعَمْ. قَالَ: «أَتَصْبِرُونَ عَلَى الْبَلَاءِ» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «أَتَشْكُرُونَ فِي الرَّخَاءِ» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مُؤْمِنُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَا الَّذِي تَصْنَعُونَ فِي الْوُضُوءِ» قَالُوا: نُتْبِعُ الْمَاءَ الْحَجَرَ. فَقَرَأَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا الْآيَةَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ بَعْدَ الْحَجَرِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَفِيهِ سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الطَّهَارَةِ حَقِيقَةٌ فِي الطَّهَارَةِ عَنِ النَّجَاسَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، وَمَجَازٌ فِي الْبَرَاءَةِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا لَا يَجُوزُ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ لَفْظَ النَّجَسِ اسْمٌ لِلْمُسْتَقْذَرِ، وَهُوَ الْقَدْرُ مَفْهُومٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَإِنَّهُ يَزُولُ السُّؤَالُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَعَادَ السَّبَبَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ كَوْنُ الْمَسْجِدِ مَبْنِيًّا عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ وَفِيهِ مَبَاحِثُ.
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: الْبُنْيَانُ مَصْدَرٌ كَالْغُفْرَانِ، والمراد هاهنا الْمَبْنِيُّ، وَإِطْلَاقُ لِفَظِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ مَجَازٌ مَشْهُورٌ، يُقَالُ هَذَا ضَرْبُ الْأَمِيرِ وَنَسْجُ زَيْدٍ، وَالْمُرَادُ مَضْرُوبُهُ وَمَنْسُوجُهُ، وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يكون لبيان جَمْعَ بُنْيَانَةٍ إِذَا جَعَلْتَهُ اسْمًا، لِأَنَّهُمْ قَالُوا بُنْيَانَةٌ فِي الْوَاحِدِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى فِعْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَذَلِكَ الْفَاعِلُ هُوَ الْبَانِي وَالْمُؤَسِّسُ، أَمَّا قَوْلُهُ: عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ أَيْ لِلْخَوْفِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ وَالرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهِ، وَذَلِكَ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 148
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست