responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 111
وَاعْلَمْ أَنَّ إِخْرَاجَ الْمَالِ لِطَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّهِ، قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا فِي الزَّكَوَاتِ وَسَائِرِ الْإِنْفَاقَاتِ الْوَاجِبَةِ وَقَدْ يَكُونُ نَافِلَةً، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ الْآتِي بِالصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا فَيَأْتِي بِالْكَثِيرِ، كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. وَقَدْ يَكُونُ فَقِيرًا فَيَأْتِي بِالْقَلِيلِ وَهُوَ جُهْدُ الْمُقِلِّ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ وَاعْتِبَارُ حَالِ الدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفِ. فَقَدْ يَكُونُ الْقَلِيلُ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْفَقِيرُ أَكْثَرَ مَوْقِعًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْكَثِيرِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْغَنِيُّ. ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْجُهَّالَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَا كَانَ يَتَجَاوَزُ نَظَرُهُمْ عَنْ ظَوَاهِرِ الْأُمُورِ فَعَيَّرُوا ذَلِكَ الْفَقِيرَ الَّذِي جَاءَ بِالصَّدَقَةِ الْقَلِيلَةِ، وَذَلِكَ التَّعْيِيرُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُ لِفَقْرِهِ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، فَكَيْفَ يَتَصَدَّقُ بِهِ؟ إِلَّا أَنَّ هَذَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْفَضِيلَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الْحَشْرِ: 9] وَثَانِيهَا: أَنْ يَقُولُوا أَيُّ أَثَرٍ لِهَذَا الْقَلِيلِ؟ وَهَذَا أَيْضًا جَهْلٌ، لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمَّا لَمْ يَقْدِرْ إِلَّا عَلَيْهِ فَإِذَا جَاءَ بِهِ فَقَدْ بَذَلَ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَعْظَمُ مَوْقِعًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ قَطَعَ تَعَلُّقَ قَلْبِهِ عَمَّا كَانَ فِي يَدِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَاكْتَفَى بِالتَّوَكُّلِ عَلَى الْمَوْلَى. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَقُولُوا إِنَّ هَذَا الْفَقِيرَ إِنَّمَا جَاءَ بِهَذَا الْقَلِيلِ لِيَضُمَّ نَفْسَهُ إِلَى الْأَكَابِرِ مِنَ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ، وَهَذَا أَيْضًا جَهْلٌ، لِأَنَّ سَعْيَ الْإِنْسَانِ فِي أَنْ يَضُمَّ نَفْسَهُ إِلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْعَى فِي أَنْ يَضُمَّ نَفْسَهُ إِلَى أَهْلِ الْكَسَلِ وَالْبَطَالَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ فَقَدْ عَرَفْتَ الْقَانُونَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ الْأَصَمُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى قَبِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَا أَظْهَرُوهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُثِيبُهُمْ عليها، فكان ذلك كالسخرية.

[سورة التوبة (9) : آية 80]
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ الْأُولَى فِي الْمُنَافِقِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكُمْ، وَاشْتَغَلَ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِغْفَارَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ، فَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَرَوَى الْأَصَمُّ: أَنَّهُ كَانَ عَبْدُ الله بن أبي بن سَلُولَ إِذَا خَطَبَ الرَّسُولُ. قَامَ وَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ وَأَعَزَّهُ وَنَصَرَهُ، فَلَمَّا قَامَ ذَلِكَ الْمَقَامَ بَعْدَ أُحُدٍ قَالَ لَهُ عُمَرُ: اجْلِسْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَقَدْ ظَهَرَ كُفْرُكَ وَجَبَهَهُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يُصَلِّ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَقَالَ لَهُ:
مَا صَرَفَكَ؟ فَحَكَى الْقِصَّةَ. فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَسْتَغْفِرْ لَكَ. فَقَالَ: مَا أُبَالِي أَسْتَغْفَرَ لِي أَوْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لِي فَنَزَلَ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ [الْمُنَافِقُونَ: 5] وَجَاءَ الْمُنَافِقُونَ بَعْدَ أُحُدٍ يَعْتَذِرُونَ وَيَتَعَلَّلُونَ بِالْبَاطِلِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ
وروى الشَّعْبِيُّ قَالَ: دَعَا عَبْدُ اللَّهِ/ بْنُ عَبْدِ الله بن أبي بن سَلُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِنَازَةِ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ أَنْتَ؟» فَقَالَ: أَنَا الْحُبَابُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ الْحُبَابَ هُوَ الشَّيْطَانُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ.
قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 111
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست