responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 11
كَانَ مُؤْتِيًا لِلزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ فِي الْمَسْجِدِ طَوَائِفُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِطَلَبِ أَخْذِ الزَّكَاةِ فَتَحْصُلُ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ بِهِ. وَأَمَّا إِذَا حَمَلْنَا الْعِمَارَةَ عَلَى مَصَالِحِ الْبِنَاءِ فَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ مُعْتَبَرٌ فِي هَذَا/ الْبَابِ أَيْضًا لِأَنَّ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَاجِبٌ وَبِنَاءَ الْمَسْجِدِ نَافِلَةٌ، وَالْإِنْسَانُ مَا لَمْ يَفْرَغْ عَنِ الْوَاجِبِ لَا يَشْتَغِلُ بِالنَّافِلَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا لِلزَّكَاةِ لَمْ يَشْتَغِلْ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ.
وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَنَى فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْكَفَّارُ يُؤْذُونَهُ بِسَبَبِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ تِلْكَ الْحَالَةَ، يعني إنا وَإِنْ خَافَ النَّاسُ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَخْشَاهُمْ وَلَكِنَّهُ يَبْنِي الْمَسْجِدَ لِلْخَوْفِ مِنَ اللَّه تَعَالَى. الثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَبْنِيَ الْمَسْجِدَ لَا لِأَجْلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَأَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا يَبْنِي مَسْجِدًا، وَلَكِنَّهُ يَبْنِيهِ لِمُجَرَّدِ طَلَبِ رِضْوَانِ اللَّه تَعَالَى وَلِمُجَرَّدِ تَقْوِيَةِ دِينِ اللَّه.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ وَالْمُؤْمِنُ قَدْ يَخَافُ الظَّلَمَةَ وَالْمُفْسِدِينَ؟
قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْخَشْيَةِ الْخَوْفُ وَالتَّقْوَى فِي بَابِ الدِّينِ، وَأَنْ لَا يَخْتَارَ عَلَى رِضَا اللَّه رِضَا غَيْرِهِ.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ أَيْ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الأربعة وكلما إِنَّما تُفِيدُ الْحَصْرَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ يَجِبُ صَوْنُهُ عَنْ غَيْرِ الْعِبَادَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ فُضُولُ الْحَدِيثِ وَإِصْلَاحُ مُهِمَّاتِ الدُّنْيَا.
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ يَقْعُدُونَ فِيهَا حِلَقًا ذِكْرُهُمُ الدُّنْيَا وَحُبُّ الدُّنْيَا لَا تُجَالِسُوهُمْ، فَلَيْسَ للَّه بِهِمْ حَاجَةٌ»
وَفِي الْحَدِيثِ «الْحَدِيثُ فِي الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهِيمَةُ الْحَشِيشَ»
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: قَالَ اللَّه تَعَالَى: «إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ وَإِنَّ زُوَّارِي فِيهَا عُمَّارُهَا طُوبَى لِعَبْدٍ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي فَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ»
وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَلِفَ الْمَسْجِدَ أَلِفَهُ اللَّه تَعَالَى»
وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ»
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ سِرَاجًا لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ وحملة العرش يستغفرون له مادام فِي الْمَسْجِدِ ضَوْؤُهُ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ نَقَلَهَا صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ قَالَ: فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ:
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: (عَسَى) مِنَ اللَّه وَاجِبٌ لِكَوْنِهِ مُتَعَالِيًا عَنِ الشَّكِّ والتردد. الثاني: قال أبو مسلم: فَعَسى هاهنا رَاجِعٌ إِلَى الْعِبَادِ وَهُوَ يُفِيدُ الرَّجَاءَ فَكَانَ الْمَعْنَى إِنَّ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِهَذِهِ الطَّاعَاتِ إِنَّمَا يَأْتُونَ بِهَا عَلَى رَجَاءِ الْفَوْزِ بِالِاهْتِدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً [السَّجْدَةِ: 16] وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ لَا يَقْطَعُ عَلَى الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ، لِأَنَّهُ يُجَوِّزُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِقَيْدٍ/ مِنَ الْقُيُودِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حُصُولِ الْقَبُولِ. وَالثَّالِثُ:
وَهُوَ أَحْسَنُ الْوُجُوهِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَبْعِيدُ الْمُشْرِكِينَ عَنْ مَوَاقِفِ الِاهْتِدَاءِ، وَحَسْمُ أَطْمَاعِهِمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي اسْتَعْظَمُوهَا وَافْتَخَرُوا بِهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَضَمُّوا إِلَى إِيمَانِهِمُ الْعَمَلَ بِالشَّرَائِعِ وَضَمُّوا إِلَيْهَا الْخَشْيَةَ مِنَ اللَّه، فَهَؤُلَاءِ صَارَ حُصُولُ الِاهْتِدَاءِ لَهُمْ دَائِرًا بَيْنَ- لَعَلَّ وَعَسَى- فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَقْطَعُونَ بِأَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وَيَجْزِمُونَ بِفَوْزِهِمْ بِالْخَيْرِ مِنْ عِنْدِ اللَّه تَعَالَى وَفِي هَذَا الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ لُطْفٌ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي ترجيح الخشية على الرجاء.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 11
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست