responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 10
[التَّوْبَةِ: 128] قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْوَجْهُ عُدُولٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لَوْ تَعَذَّرَ إِجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
أَمَّا لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَمْ يَجُزِ الْمَصِيرُ إِلَى هَذَا الْمَجَازِ. وَأَقُولُ: لَوْ قَرَأَ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ مِنْ قَوْلِكَ: زَيْدٌ نَفِيسٌ وَعَمْرٌو أَنْفَسُ مِنْهُ، لَصَحَّ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ عُدُولٍ فِيهِ عَنِ الظَّاهِرِ.
ثُمَّ قَالَ: أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَالْمُرَادُ مِنْهُ: مَا هُوَ الْفَصْلُ الْحَقُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدْ صَدَرَ عَنْهُمْ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، مِثْلُ إِكْرَامِ الْوَالِدَيْنِ، وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ، وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ، وَإِكْرَامِ الضَّيْفِ فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ عِقَابَ كُفْرِهِمْ زَائِدٌ عَلَى ثَوَابِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَبْقَى لِشَيْءٍ مِنْهَا أَثَرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَالتَّعْظِيمِ مَعَ الْكُفْرِ وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْإِحْبَاطِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِرَارًا فَلَا نُعِيدُهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ مُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ لَا يَبْقَى مُخَلَّدًا فِي النَّارِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَفِي النَّارِ/ هُمْ خالِدُونَ يُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ لَا غَيْرُهُمْ، ولما كان هذا الكلام وارد فِي حَقِّ الْكُفَّارِ، ثَبَتَ أَنَّ الْخُلُودَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِلْكَافِرِ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْخُلُودَ فِي النَّارِ جَزَاءً لِلْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتًا لِغَيْرِ اللَّه لَمَا صَحَّ تَهْدِيدُ الْكَافِرِ بِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ، بَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَغِلَ بِهَذَا الْعَمَلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتٍ أَرْبَعَةٍ:
الصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِيمَانِ باللَّه لِأَنَّ الْمَسْجِدَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعْبَدُ اللَّه فِيهِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا باللَّه، امْتَنَعَ أَنْ يَبْنِيَ مَوْضِعًا يُعْبَدُ اللَّه فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعِبَادَةِ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا تُفِيدُ فِي الْقِيَامَةِ، فَمَنْ أَنْكَرَ الْقِيَامَةَ لَمْ يَعْبُدِ اللَّه، وَمَنْ لَمْ يَعْبُدِ اللَّه لَمْ يَبْنِ بِنَاءً لِعِبَادَةِ اللَّه تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرِ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللَّه؟
قُلْنَا فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا ادَّعَى رِسَالَةَ اللَّه طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ وَالْمُلْكِ، فَهَهُنَا ذَكَرَ الْإِيمَانَ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتَرَكَ النُّبُوَّةَ كَأَنَّهُ يَقُولُ مَطْلُوبِي مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ لَيْسَ إِلَّا الْإِيمَانَ بِالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، فَذَكَرَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ وَحَذَفَ ذِكْرَ النُّبُوَّةِ تَنْبِيهًا لِلْكُفَّارِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَطْلُوبَ لَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الصَّلَاةَ، وَالصَّلَاةُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّشَهُّدِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرِ النُّبُوَّةِ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ، وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَنْصَرِفُ إِلَى الْمَعْهُودِ السَّابِقِ، ثُمَّ الْمَعْهُودُ السَّابِقُ مِنَ الصَّلَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ إِلَّا الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانَ أَتَى بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ ذِكْرُ الصَّلَاةِ دَلِيلًا عَلَى النُّبُوَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَأَقامَ الصَّلاةَ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ إِقَامَةُ الصَّلَوَاتِ، فَالْإِنْسَانُ مَا لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ امْتَنَعَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ.
الصِّفَةُ الثالثة: قوله: وَآتَى الزَّكاةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحُضُورُ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ مُقِيمًا لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ فِي الْمَسْجِدِ فَتَحْصُلُ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ بِهِ، وإذا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 10
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست