responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 473
عَلَى اللَّه تَعَالَى؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [الْبَقَرَةِ: 286] وَقَالَ فِي الْمُظَاهِرِ: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً [الْمُجَادَلَةِ: 4] فَأَسْقَطَ فَرْضَ الصَّوْمِ عَمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالِاسْتِجَابَةِ للَّه وَلِلرَّسُولِ. وَذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي مَعْرِضِ الذِّكْرِ وَالتَّحْذِيرِ عَنْ تَرْكِ الْإِجَابَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْتُمْ لَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا قَوِيًّا فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ، وَلَا يَكُونُ زَجْرًا عَنْ تَرْكِ الْإِجَابَةِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لِيَكُونَ حُجَّةً لِلرَّسُولِ عَلَى الْكُفَّارِ، لَا لِيَكُونَ حُجَّةً لِلْكُفَّارِ عَلَى الرَّسُولِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرْتُمْ لَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ لِلْكُفَّارِ عَلَى الرَّسُولِ وَلَقَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَنَعَنَا مِنَ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ يَأْمُرُنَا بِهِ؟ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ الْجَبْرِ، قَالُوا وَنَحْنُ نَذْكُرُ فِي الْآيَةِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِقَلْبِهِ بِسَبَبِ الْمَوْتِ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ تُبَادِرُوا فِي الِاسْتِجَابَةِ فِيمَا أَلْزَمْتُكُمْ مِنَ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْمَوْتُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَيَحُولَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَالتَّوْبَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْحَثُّ عَلَى الطَّاعَةِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهَا. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ تَعَالَى يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يَتَمَنَّاهُ وَيُرِيدُهُ بِقَلْبِهِ، فَإِنَّ الْأَجَلَ يَحُولُ دُونَ الْأَمَلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَادِرُوا إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَى مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ تَوَقُّعِ طُولِ الْبَقَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْقَلْبِ عَلَى الْأَمَانِي الْحَاصِلَةِ فِي الْقَلْبِ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ بِاسْمِ ظَرْفِهِ جَائِزَةٌ كَقَوْلِهِمْ، سَالَ الْوَادِي. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ، سَارِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَلَا تَتَمَنَّعُوا عَنْهَا/ بِسَبَبِ مَا تَجِدُونَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الضَّعْفِ وَالْجُبْنِ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُغَيِّرُ تِلْكَ الْأَحْوَالَ فَيُبَدِّلُ الضَّعْفَ بِالْقُوَّةِ، وَالْجُبْنَ بِالشَّجَاعَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ. الرَّابِعُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُرَادُ مِنَ القلب هاهنا الْعَقْلُ فَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ. وَالْمَعْنَى فَبَادِرُوا إِلَى الْأَعْمَالِ وَأَنْتُمْ تَعْقِلُونَ، فإنكم لا تؤمنون زَوَالَ الْعُقُولِ الَّتِي عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا يَبْطُلُ التَّكْلِيفُ. وَجَعْلُ الْقَلْبِ كِنَايَةً عَنِ الْعَقْلِ جَائِزٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] أَيْ لِمَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ. الْخَامِسُ: قَالَ الْحَسَنُ مَعْنَاهُ، أَنَّ اللَّه حَائِلٌ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ قُرْبَهُ تَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ أَشَدُّ مِنْ قُرْبِ قَلْبِ الْعَبْدِ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي بَاطِنِ الْعَبْدِ وَمِمَّا فِي ضَمِيرِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَصْحَابِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أَيْ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أَيْ إِلَى اللَّه وَلَا تُتْرَكُونَ مُهْمَلِينَ مُعَطَّلِينَ، وَفِيهِ تَرْغِيبٌ شَدِيدٌ فِي الْعَمَلِ وتحذير عن الكسل والغفلة.

[سورة الأنفال (8) : آية 25]
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى كَمَا حَذَّرَ الْإِنْسَانَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ، فَكَذَلِكَ حَذَّرَهُ مِنَ الْفِتَنِ، وَالْمَعْنَى: وَاحْذَرُوا فِتْنَةً إِنْ نَزَلَتْ بِكُمْ لَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى الظَّالِمِينَ خَاصَّةً بَلْ تَتَعَدَّى إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وَتَصِلُ إِلَى الصَّالِحِ وَالطَّالِحِ. عَنِ الْحَسَنِ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْجَمَلِ خَاصَّةً. قَالَ الزُّبَيْرُ: نَزَلَتْ فِينَا وَقَرَأْنَاهَا زَمَانًا وَمَا ظَنَنَّا أَنَّا أَهْلُهَا فَإِذَا نَحْنُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا، وَعَنِ السُّدِّيِّ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ اقْتَتَلُوا يَوْمَ الْجَمَلِ،
وَرُوِيَ أَنَّ الزبير كان

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 473
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست