responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 472
مَا دَعَا اللَّه إِلَيْهِ وَرَغَّبَ فِيهِ فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَوَابٍ، فَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَوَامِرِ وَذَلِكَ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ: إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَفِيهِ الْحَيَاةُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ حَيَاةُ الْقَلْبِ وَالْكُفْرُ مَوْتُهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الروم: 19] قِيلَ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ. الثَّانِي: قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي الْقُرْآنَ أَيْ أَجِيبُوهُ إِلَى مَا فِي الْقُرْآنِ فَفِيهِ الْحَيَاةُ وَالنَّجَاةُ وَالْعِصْمَةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقُرْآنُ بِالْحَيَاةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ سَبَبُ الْعِلْمِ. وَالْعِلْمُ حَيَاةٌ، فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى سَبَبُ الْحَيَاةِ بِالْحَيَاةِ. الثَّالِثُ: قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لِما يُحْيِيكُمْ هُوَ الْجِهَادُ، ثُمَّ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ الْجِهَادِ بِالْحَيَاةِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا:
هُوَ أَنَّ وَهَنَ أَحَدِ الْعَدُوَّيْنِ حَيَاةٌ لِلْعَدُوِّ الثَّانِي. فَأَمْرُ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا يَقْوَى وَيَعْظُمُ بِسَبَبِ الْجِهَادِ مَعَ الْكُفَّارِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ الْجِهَادَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ تُوجِبُ الْحَيَاةَ الدَّائِمَةَ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 169] وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْجِهَادَ قَدْ يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ، وَالْقَتْلُ يُوصِلُ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالدَّارُ الْآخِرَةُ مَعْدِنُ الْحَيَاةِ. قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [الْعَنْكَبُوتِ: 64] أَيِ الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: لِما يُحْيِيكُمْ أَيْ لِكُلِّ حَقٍّ وَصَوَابٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ وَالْجِهَادُ وَكُلُّ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالطَّاعَةِ. وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لِما يُحْيِيكُمْ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ الدَّائِمَةُ قَالَ تَعَالَى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [النَّحْلِ: 97] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يَخْتَلِفُ تَفْسِيرُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ. أَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْجَبْرِ، فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ حِكَايَةً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ الْكَافِرِ وَطَاعَتِهِ، ويجول بَيْنَ الْمَرْءِ الْمُطِيعِ وَمَعْصِيَتِهِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ أَسْعَدَهُ اللَّه، وَالشَّقِيُّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّه. وَالْقُلُوبُ بِيَدِ اللَّه يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، فَإِذَا أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يُؤْمِنَ واللَّه تَعَالَى لَا يُرِيدُ إِيمَانَهُ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ. وَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَكْفُرَ واللَّه لَا يُرِيدُ كُفْرَهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ دَلَّلْنَا بِالْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى صِحَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْقَلْبِيَّةَ إِمَّا الْعَقَائِدَ وَإِمَّا الْإِرَادَاتِ وَالدَّوَاعِيَ. أَمَّا الْعَقَائِدُ: فَهِيَ إِمَّا الْعِلْمُ، وَإِمَّا الْجَهْلُ.
أَمَّا الْعِلْمُ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْصِدَ الْفَاعِلُ إِلَى تَحْصِيلِهِ إِلَّا إِذَا عَلِمَ كَوْنَهُ عِلْمًا وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا عَلِمَ كَوْنَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ مُطَابِقًا لِلْمَعْلُومِ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا سَبَقَ عِلْمُهُ بِالْمَعْلُومِ وَذَلِكَ يُوجِبُ تَوَقُّفَ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا الْجَهْلُ فَالْإِنْسَانُ الْبَتَّةَ لَا يَخْتَارُهُ وَلَا يُرِيدُهُ إِلَّا إِذَا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ عِلْمٌ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الظَّنُّ/ إِلَّا بِسَبْقِ جَهْلٍ آخَرَ، وَذَلِكَ أَيْضًا يُوجِبُ تَوَقُّفَ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الدَّوَاعِي وَالْإِرَادَاتُ فَحُصُولُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ بِفَاعِلٍ يَلْزَمُ الْحُدُوثُ لَا عَنْ مُحْدِثٍ، وَإِنْ كَانَ بِفَاعِلٍ فَذَلِكَ الْفَاعِلُ إِمَّا الْعَبْدُ وَإِمَّا اللَّه تَعَالَى، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَزِمَ تَوَقُّفُ ذَلِكَ الْقَصْدِ عَلَى قَصْدٍ آخَرَ وَهُوَ مُحَالٌ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْإِرَادَاتِ وَالدَّوَاعِي هُوَ اللَّه تَعَالَى، فَنَصُّ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الْقُلُوبِ مِنَ اللَّه، وَالدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرْنَاهُ. أَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْقَدَرِ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرْتُمْ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْجُبَّائِيُّ: إِنَّ مَنْ حَالَ اللَّه بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ فَهُوَ عَاجِزٌ، وَأَمْرُ الْعَاجِزِ سَفَهٌ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَأْمُرَنَا اللَّه بِصُعُودِ السَّمَاءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الزَّمِنَ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ قَائِمًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 472
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست