responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 434
فَإِنْ قَالُوا: فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ قَدْ صَارَتْ مَذْكُورَةً فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَكْرِيرِهَا؟ فَنَقُولُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: إِنَّمَا أُعِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَذْكُورٌ عَلَى جِهَةِ التَّقْرِيعِ وَهَذَا مَذْكُورٌ عَلَى جِهَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ تَجُوزُ لَهُ الْعِبَادَةُ، وَبَيْنَ مَنْ لَا تَجُوزُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَهَذِهِ الْأَصْنَامُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَا تكن صَالِحَةً لِلْإِلَهِيَّةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ الْمَذْكُورَةَ صِفَاتٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ غَيْرَ اللَّه، يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يُخَوِّفُونَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ. بَلْ إِنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوا فِي الْجَهْلِ وَالْحَمَاقَةِ إِلَى أَنَّكَ لَوْ دَعَوْتَهُمْ وَأَظْهَرْتَ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ لَمْ يَسْمَعُوا بِعُقُولِهِمْ ذَلِكَ الْبَتَّةَ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَتَقَدَّمُ ذِكْرُ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ ذَكْرُ الْأَصْنَامِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذُكِرَ؟
قُلْنَا: قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ [الأعراف: 195] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ فَإِنْ حَمَلْنَا هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى الْأَصْنَامِ. قُلْنَا:
الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا نَاظِرَةً كَوْنُهَا مُقَابِلَةً بِوَجْهِهَا وُجُوهَ الْقَوْمِ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَلَانِ متناظران أي متقابلان، فإن حَمَلْنَاهَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى النَّاسِ إِلَّا أَنَّهُمْ لِشِدَّةِ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْحَقِّ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ النَّظَرِ وَالرُّؤْيَةِ، فَصَارُوا كَأَنَّهُمْ عُمْيٌ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ غَيْرُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ النَّظَرَ وَنَفَى الرُّؤْيَةَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَحْسَبُهُمْ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ مَعَ أَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَنْظُرُونَ، أَيْ تَظُنُّ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَكَ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يُبْصِرُونَكَ، وَالرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى الْحُسْبَانِ وَارِدَةٌ قَالَ تَعَالَى: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى
[الْحَجِّ: 2] .

[سورة الأعراف (7) : آية 199]
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ، وَأَنَّ الْأَصْنَامَ وَعَابِدِيهَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْإِيذَاءِ وَالْإِضْرَارِ، بين فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ فِي مُعَامَلَةِ النَّاسِ فَقَالَ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَفْوُ الْفَضْلُ وَمَا أَتَى مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْحُقُوقُ الَّتِي تُسْتَوْفَى مِنَ النَّاسِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ، إِمَّا أَنْ يَجُوزَ إِدْخَالُ الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ فِيهَا، وَإِمَّا أَنْ لَا يَجُوزَ.
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: خُذِ الْعَفْوَ وَيَدْخُلُ فِيهِ تَرْكُ التَّشَدُّدِ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا التَّخَلُّقُ مَعَ النَّاسِ بِالْخُلُقِ الطَّيِّبِ، وَتَرْكُ الْغِلْظَةِ وَالْفَظَاظَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آلِ عِمْرَانَ: 159] ومن هذا الباب أن يدعو الْخَلْقَ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ بِالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
[النَّحْلِ: 125] .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ فِيهِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْعُرْفُ، وَالْعَارِفَةُ، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ كُلُّ أَمْرٍ عُرِفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَأَنَّ وُجُودَهُ خَيْرٌ مِنْ عَدَمِهِ، وَذَلِكَ لأن في هَذَا الْقِسْمَ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَخْذِ بِالْعَفْوِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ، لَكَانَ ذَلِكَ سَعْيًا فِي تَغْيِيرِ الدِّينِ وَإِبْطَالِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِالْعُرْفِ وَرَغَّبَ فِيهِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَفَّرَ عَنْهُ، فَرُبَّمَا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 434
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست