responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 433
بَاصِرَةٌ، وَآذَانٌ سَامِعَةٌ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً عَلَى الْإِنْفَاعِ وَالْإِضْرَارِ، فَامْتَنَعَ كَوْنُهَا آلِهَةً. أَمَّا إِلَهُ الْعَالَمِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَالِيًا عَنْ هَذِهِ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ إِلَّا أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَالضَّرَرِ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِكَمَالِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُخَوِّفُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِآلِهَتِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ لِيَظْهَرَ لَكُمْ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى إِيصَالِ الْمَضَارِّ إِلَيَّ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَأَثْبَتَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو الْيَاءَ فِي كِيدُونِي وَالْبَاقُونَ حَذَفُوهَا وَمِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: فَلا تُنْظِرُونِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ، وَالْقَوْلُ فِيهِ أَنَّ الْفَوَاصِلَ تُشْبِهُ الْقَوَافِيَ، وَقَدْ حَذَفُوا هَذِهِ الْيَاءَاتِ إِذَا كَانَتْ فِي الْقَوَافِي كَقَوْلِهِ:
يَلْمِسُ الْأَحْلَاسَ فِي مَنْزِلِهِ ... بِيَدَيْهِ كَالْيَهُودِيِّ الْمُمِلِّ
وَالَّذِينَ أَثْبَتُوهَا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْإِثْبَاتُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَلا تُنْظِرُونِ أَيْ لَا تمهلوني واعجلوا في كيدي أنتم وشركاؤكم.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 196 الى 198]
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ عِبَادَةُ اللَّه تَعَالَى، لِأَنَّهُ هو الذي يتولى تحصيل منافع الدُّنْيَا أَمَّا تَحْصِيلُ مَنَافِعِ الدِّينِ، فَبِسَبَبِ إِنْزَالِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا تَحْصِيلُ مَنَافِعِ الدُّنْيَا، فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: قَرَأَ الْقُرَّاءُ وَلِيِّي بِثَلَاثِ يَاءَاتٍ، الْأُولَى يَاءُ فَعِيلٍ وَهِيَ ساكنة، والثانية لام الفعل وهي كسورة، قَدْ أُدْغِمَتِ الْأُولَى فِيهَا فَصَارَ يَاءً مُشَدَّدَةً، وَالثَّالِثَةُ يَاءُ الْإِضَافَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: وَلِيَّ اللَّه بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَذَفَ الْيَاءَ الَّتِي هِيَ لَامُ فَعِيلٍ، كَمَا حَذَفَ اللَّامَ مِنْ قَوْلِهِمْ فاماليت بِهِ فَالْهَ، ثُمَّ أُدْغِمَتْ يَاءُ فَعِيلٍ فِي يَاءِ الْإِضَافَةِ، فَقِيلَ وَلِيَّ اللَّه وَهَذِهِ الْفَتْحَةُ فَتْحَةُ يَاءِ الْإِضَافَةِ، وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَأَجَازُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثِ يَاءَاتٍ، واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّه أَيِ الَّذِي يَتَوَلَّى حِفْظِي وَنُصْرَتِي هُوَ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى هَذِهِ الْعُلُومِ العظيمة النافعة في الدين ويتولى الصالحين ينصرهم، فَلَا تَضُرُّهُمْ عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُمْ، وَفِي ذَلِكَ يَأْمَنُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَنْ يَضُرَّهُ كَيْدُهُمْ. وَسَمِعْتُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا كَانَ يَدَّخِرُ لِأَوْلَادِهِ شَيْئًا، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ فَقَالَ:
وَلَدِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّالِحِينَ أَوْ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ فَوَلِيُّهُ اللَّه ومن كان اللَّه لَهُ وَلِيًّا فَلَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى مَالِي، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُجْرِمِينَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [الْقَصَصِ: 17] وَمَنْ رَدَّهُ اللَّه لَمْ أَشْتَغِلْ بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَصْفُ الْأَصْنَامِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 433
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست