responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 386
يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ شَرْعِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِالرُّجُوعِ إِلَى أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَاتَّبِعُوهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ تَتَنَاوَلُ الْمُتَابَعَةَ فِي الْقَوْلِ وَفِي الْفِعْلِ. أَمَّا الْمُتَابَعَةُ فِي الْقَوْلِ فَهُوَ أَنْ يَمْتَثِلَ الْمُكَلَّفُ كُلَّ مَا يَقُولُهُ فِي طَرَفَيِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. وَأَمَّا الْمُتَابَعَةُ فِي الْفِعْلِ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ مَا أَتَى الْمَتْبُوعُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي طَرَفِ الْفِعْلِ أَوْ فِي طَرَفِ التَّرْكِ، فَثَبَتَ أَنَّ لَفَظَ وَاتَّبِعُوهُ يَتَنَاوَلُ الْقِسْمَيْنِ. وَثَبَتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ فَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّبِعُوهُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَيَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي كُلِّ مَا فَعَلَهُ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَهُوَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْمُنْفَصِلِ أَنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَإِنْ قِيلَ: الشَّيْءُ الَّذِي أَتَى بِهِ الرَّسُولُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى سَبِيلِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى سَبِيلِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَنْدُوبًا، فَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى سَبِيلِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَنْدُوبًا، فَلَوْ أَتَيْنَا بِهِ عَلَى سَبِيلِ أَنَّهُ وَاجِبٌ علينا، كان ذلك تركاً لمتابعته، وَنَقْضًا لِمُبَايَعَتِهِ. وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ إِقْدَامَ الرَّسُولِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْنَا.
قُلْنَا: الْمُتَابَعَةُ فِي الْفِعْلِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْفِعْلِ الَّذِي أَتَى بِهِ الْمَتْبُوعُ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِفِعْلٍ ثُمَّ إِنْ غَيْرُهُ وَافَقَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ، قِيلَ: إِنَّهُ تَابَعُهُ عَلَيْهِ. وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ. قِيلَ: إِنَّهُ خَالَفَهُ فِيهِ. فَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ فِعْلِ الْمَتْبُوعِ مُتَابَعَةً، وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ لَزِمَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْأُمَّةِ مِثْلُ فِعْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عليه وسلّم. بقي هاهنا أَنَّا لَا نَعْرِفُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى بِذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى قَصْدِ النَّدْبِ. فَنَقُولُ: حَالُ الدَّوَاعِي وَالْعَزَائِمِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَحَالُ الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ الظَّاهِرِ وَالْعَمَلِ الْمَحْسُوسِ مَعْلُومٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُلْتَفَتَ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ حَالِ الْعَزَائِمِ وَالدَّوَاعِي، لِكَوْنِهَا أُمُورًا مَخْفِيَّةً عَنَّا، وَأَنْ نَحْكُمَ بِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي الْعَمَلِ الظَّاهِرِ. لِكَوْنِهَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُمْكِنُ رِعَايَتُهَا، فَزَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ، وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ الرَّسُولُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْنَا الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ إِلَّا إِذَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَحْكُمَ بِوُجُوبِ عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ.
قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الْعَمَلَ فِعْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ: فَحِينَئِذٍ نَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ/ قَدْ أَتَى بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ حَاصِلٌ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَاظِبَ طُولَ عُمْرِهِ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أَتَى بِهَذَا الطَّرِيقِ الْأَفْضَلِ. وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ أَتَى بِالطَّرَفِ الْأَحْسَنِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ، وَالْمَشْكُوكُ لَا يُعَارِضُ الْمَعْلُومَ، فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى بِالْجَانِبِ الْأَفْضَلِ. وَمَتَى ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَاتَّبِعُوهُ فَهَذَا أَصْلٌ شَرِيفٌ، وَقَانُونٌ كُلِّيٌّ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ، دَالٌّ عَلَى النُّصُوصِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النَّجْمِ: 3، 4] فَوَجَبَ عَلَيْنَا مِثْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّبِعُوهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ فقيه بَحْثَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كَلِمَةَ «لَعَلَّ» لِلتَّرَجِّي، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ باللَّه، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ كُلِّ الْمُكَلَّفِينَ الْهِدَايَةَ وَالْإِيمَانَ عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْكَلَامُ فِي تَقْرِيرِ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ قَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِرَارًا كَثِيرَةً، فَلَا فائدة في الإعادة.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 386
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست