responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 372
أَنَّ مُوسَى رَجَعَ غَضْبَانَ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا كَانَ ذَلِكَ الْغَضَبُ مُوجِبًا لَهُ وَهُوَ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قَالَ: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ يُرِيدُ الَّتِي فِيهَا التَّوْرَاةُ وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْأَلْوَاحُ أَعْظَمَ مَعَاجِزِهِ ثُمَّ إِنَّهُ أَلْقَاهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى شِدَّةِ الْغَضَبِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَقْدِمُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ الْغَضَبِ الْمُدْهِشِ.
رُوِيَ أَنَّ التَّوْرَاةَ كَانَتْ سَبْعَةَ أَسْبَاعٍ فَلَمَّا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ فَرَفَعَ مِنْهَا سِتَّةَ أَسِبَاعِهَا وَبَقِيَ سُبُعٌ وَاحِدٌ. وَكَانَ فِيمَا رَفَعَ تَفْصِيلُ كُلِّ شَيْءٍ وَفِيمَا بَقِيَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةُ،
وعن النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَخِي مُوسَى لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ لَقَدْ أَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِفِتْنَةِ قَوْمِهِ فَعَرَفَ أَنَّ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ حَقٌّ وَأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِمَا فِي يَدِهِ» .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّهُ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ فَأَمَّا أَنَّهُ أَلْقَاهَا بِحَيْثُ تَكَسَّرَتْ فَهَذَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَإِنَّهُ لَجَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَمِثْلُهُ لَا يَلِيقُ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَوَلِّدَةِ عَنْ ذَلِكَ الْغَضَبِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ سُؤَالٌ لِمَنْ يَقْدَحُ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ طه مَعَ الْجَوَابِ الصَّحِيحِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالطَّاعِنُونَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ يَقُولُونَ إِنَّهُ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِهَانَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ وَالْمُثْبِتُونَ لِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ قَالُوا إِنَّهُ جَرَّ رَأْسَ أَخِيهِ إِلَى نَفْسِهِ لِيُسَارَّهُ وَيَسْتَكْشِفَ مِنْهُ كَيْفِيَّةَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَاذَا قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي.
قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَافَ أَنْ يَتَوَهَّمَ جُهَّالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ غَضْبَانُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ غَضْبَانُ عَلَى عَبَدَةِ الْعِجْلِ فَقَالَ لَهُ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَمَا أَطَاعُونِي فِي تَرْكِ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَقَدْ نَهَيْتُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مَعِي مِنَ الْجَمْعِ مَا أَمْنَعُهُمْ بِهِمْ عَنْ هَذَا الْعَمَلِ، فَلَا تَفْعَلْ بِي مَا تَشْمَتُ أَعْدَائِي بِهِ فَهُمْ أَعْدَاؤُكَ فَإِنَّ الْقَوْمَ يَحْمِلُونَ هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي تَفْعَلُهُ بِي عَلَى الْإِهَانَةِ لَا عَلَى الْإِكْرَامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ابْنَ أُمَّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ ابْنَ أُمَّ/ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي طه مِثْلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ أُمِّي فَحَذَفَ يَاءَ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ مَبْنَى النِّدَاءِ عَلَى الْحَذْفِ وَبَقِيَ الْكَسْرُ عَلَى الْمِيمِ لِيَدُلَّ عَلَى الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ: يَا عِبادِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا وَبُنِي لِكَثْرَةِ اصْطِحَابِ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ نَحْوَ حَضْرَمَوْتَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ وَأَصْلُهُ يَا ابْنَ أَمَّا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا ابْنَةَ عَمَّا لَا تَلُومِي وَاهْجَعِي
وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي أَيْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى كَلَامِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ يَعْنِي أَصْحَابَ الْعِجْلِ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ أَيْ لَا تَجْعَلْنِي شَرِيكًا لَهُمْ فِي عُقُوبَتِكَ لَهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ فَعِنْدَ هَذَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي أَيْ فِيمَا أَقْدَمْتُ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْغَضَبِ وَالْحِدَّةِ وَلِأَخِي فِي تَرْكِهِ التَّشْدِيدَ الْعَظِيمَ عَلَى عَبَدَةِ الْعِجْلِ وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَمَامَ هَذِهِ السُّؤَالَاتِ وَالْجَوَابَاتِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَذْكُورٌ فِي سورة طه. والله اعلم.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 372
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست