responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 371
كَذَلِكَ فَلِهَذَا السَّبَبِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ عِنْدَ هُجُومِهِ عَلَيْهِمْ عَرَفَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: بَلْ كَانَ عَارِفًا بِذَلِكَ مِنْ قَبْلُ وَهَذَا أَقْرَبُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَالَ مَا كَانَ رَاجِعًا كَانَ غَضْبَانَ أَسِفًا وَهُوَ إِنَّمَا كَانَ رَاجِعًا إِلَى قَوْمِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهِمْ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهِمْ كَانَ عَالِمًا بِهَذِهِ الْحَالَةِ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي سُورَةِ طه أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِوُقُوعِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فِي الْمِيقَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْأَسَفِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَسَفَ الشَّدِيدَ الْغَضَبُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ [الزُّخْرُفِ: 55] أَيْ أَغْضَبُونَا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ إِنَّ الْآسِفَ هُوَ الْحَزِينُ: وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ أَيْ حَزِينٌ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ لِأَنَّ الْغَضَبَ مِنَ الْحُزْنِ وَالْحُزْنَ مِنَ الْغَضَبِ فَإِذَا جَاءَكَ مَا تَكْرَهُ مِمَّنْ هُوَ دُونَكَ غَضِبْتَ وَإِذَا جَاءَكَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ حَزِنْتَ. فَتُسَمَّى إِحْدَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ حُزْنًا وَالْأُخْرَى غَضَبًا فَعَلَى هَذَا كَانَ مُوسَى غَضْبَانَ عَلَى قَوْمِهِ لِأَجْلِ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ أَسِفًا حَزِينًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَنَهُمْ. وَقَدْ كَانَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ [طه: 85] .
أَمَّا قَوْلُهُ: بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي فَمَعْنَاهُ بِئْسَمَا قُمْتُمْ مَقَامِي وَكُنْتُمْ خُلَفَائِي مِنْ بَعْدِي وَهَذَا الْخِطَابُ إِنَّمَا يَكُونُ لِعَبَدَةِ الْعِجْلِ مِنَ السَّامِرِيِّ وَأَشْيَاعِهِ أَوْ لِوُجُوهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ: هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي [الْأَعْرَافِ: 142] وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمَعْنَى بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي حَيْثُ عَبَدْتُمُ الْعِجْلَ مَكَانَ عِبَادَةِ اللَّهِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَكُونُ الْمَعْنَى بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي حَيْثُ لَمْ تُمْنَعُوا مِنْ عِبَادَةِ غير الله تعالى، وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَيْنَ مَا يَقْتَضِيهِ «بِئْسَ» مِنَ الْفَاعِلِ وَالْمَخْصُوصِ بِالذَّمِّ.
وَالْجَوَابُ: الْفَاعِلُ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: «مَا خَلَفْتُمُونِي» وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ بِئْسَ خِلَافَةً خَلَفْتُمُونِيهَا مِنْ بَعْدِي خِلَافَتُكُمْ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: أَيُّ مَعْنًى لِقَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِي بَعْدَ قَوْلِهِ: خَلَفْتُمُونِي.
وَالْجَوَابُ: مَعْنَاهُ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَيْتُمْ مِنِّي مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِ الشُّرَكَاءِ عَنْهُ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ. أَوْ مِنْ بَعْدِ مَا كُنْتُ أَحْمِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ عِبَادَةِ الْبَقَرِ حِينَ قَالُوا اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ وَمِنْ حَقِّ الْخُلَفَاءِ أَنْ يَسِيرُوا سِيرَةَ الْمُسْتَخْلَفِينَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ فَمَعْنَى الْعَجَلَةِ التَّقَدُّمُ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَلِذَلِكَ صَارَتْ مَذْمُومَةً/ وَالسُّرْعَةُ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ لِأَنَّ مَعْنَاهَا عَمَلُ الشَّيْءِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهِ. هَكَذَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَتِ الْعَجَلَةُ مَذْمُومَةً فَلِمَ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طه: 84] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمَعْنَى: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ يَعْنِي مِيعَادَ رَبِّكُمْ فَلَمْ تَصْبِرُوا لَهُ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ: وَعْدُ رَبِّكُمُ الَّذِي وَعَدَكُمْ مِنَ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْتِ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ لَيْلَةً فَقَدْ مَاتَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ أَعْجِلْتُمْ سُخْطَ رَبِّكُمْ؟ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَعْجِلْتُمْ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ أَمْرُ رَبِّكُمْ وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 371
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست