responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 52
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْآيَةُ أَحَدُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ لَا يَجْعَلُ الْإِيمَانَ فِي نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ شَرْطًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَكَانَ كَوْنُهُنَّ مُحْصَنَاتٍ عَفِيفَاتٍ أَيْضًا شَرْطًا، وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا مَعْطُوفٌ لَا عَلَى ذِكْرِ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، بَلْ عَلَى قَوْلِهِ: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي هَذَا، عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيمَا قَبْلَهُ واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ. وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ أُحْصِنَّ بِالْفَتْحِ فِي الْأَلِفِ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ الْأَلِفِ، فَمَنْ فَتَحَ فَمَعْنَاهُ: أَسْلَمْنَ، هَكَذَا قَالَهُ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالسُّدِّيُّ، وَمَنْ/ ضَمَّ الْأَلِفَ فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُنَّ أُحْصِنَّ بِالْأَزْوَاجِ. هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَنَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْإِمَاءَ بِالْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ: فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَمِنَ الْبَعِيدِ أَنْ يُقَالَ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، ثُمَّ يُقَالَ: فَإِذَا آمَنَّ، فَإِنَّ حَالَهُنَّ كَذَا وَكَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ حُكْمَيْنِ: الْأَوَّلُ:
حَالُ نِكَاحِ الْإِمَاءِ، فَاعْتَبَرَ الْإِيمَانَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَالثَّانِي: حُكْمُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ عِنْدَ إِقْدَامِهِنَّ عَلَى الْفَاحِشَةِ، فَذَكَرَ حَالَ إِيمَانِهِنَّ أَيْضًا فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَإِذا أُحْصِنَّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْآيَةِ إِشْكَالٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ فِي قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَرَائِرَ الْمُتَزَوِّجَاتِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَرَائِرَ الْأَبْكَارَ. وَالسَّبَبُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْمُحْصَنَاتِ عَلَيْهِنَّ حُرِّيَّتُهُنَّ. وَالْأَوَّلُ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْحَرَائِرِ الْمُتَزَوِّجَاتِ فِي الزِّنَا: الرَّجْمُ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ فِي زِنَا الْإِمَاءِ نِصْفُ الرَّجْمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: الْحَرَائِرَ الْأَبْكَارَ، فَنِصْفُ مَا عَلَيْهِنَّ هُوَ خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَهَذَا الْقَدْرُ وَاجِبٌ فِي زِنَا الْأَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُحْصَنَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الزِّنَا عَنْهُنَّ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُعَلَّقًا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ:
الْإِحْصَانِ وَالزِّنَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ شَرْطٌ بَعْدَ شَرْطٍ، فَيَقْتَضِي كَوْنَ الْحُكْمِ مَشْرُوطًا بِهِمَا نَصًّا، فَهَذَا إِشْكَالٌ قَوِيٌّ فِي الْآيَةِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّا نَخْتَارُ الْقِسْمَ الثَّانِيَ، وَقَوْلُهُ: فَإِذا أُحْصِنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ جَعْلَ هَذَا الْإِحْصَانِ شَرْطًا لِأَنْ يَجِبَ فِي زِنَاهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً، بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ حَدَّ الزِّنَا يُغَلَّظُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ، فَهَذِهِ إِذَا زَنَتَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَحَدُّهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، فَبِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ هَذَا الْقَدْرُ أَيْضًا أَوْلَى، وَهَذَا مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْمَفْهُومِ بِالنَّصِّ، لِأَنَّ عِنْدَ حُصُولِ مَا يُغَلِّظُ الْحَدَّ، لَمَا وَجَبَ تَخْفِيفُ الْحَدِّ لِمَكَانِ الرِّقِّ، فَبِأَنْ يَجِبَ هَذَا الْقَدْرُ عند مالا يُوجَدُ ذَلِكَ الْمُغَلِّظُ كَانَ أَوْلَى واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْخَوَارِجُ اتَّفَقُوا عَلَى إِنْكَارِ الرَّجْمِ، وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْأَمَةِ نِصْفَ مَا عَلَى الْحُرَّةِ الْمُحْصَنَةِ، فَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُحْصَنَةِ الرَّجْمُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَى الْأَمَةِ نِصْفَ الرَّجْمِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُتَزَوِّجَةِ لَيْسَ إِلَّا الْجَلْدَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ النُّورِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2] .

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 52
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست