responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 51
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأُجُورِ: الْمُهُورُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِهَا إِذَا نَكَحَهَا، سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ سَمَّى، وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُسَمِّ فِي إِيجَابِ الْمَهْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ مَهْرَ الْمِثْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: بِالْمَعْرُوفِ وَهَذَا إِنَّمَا يُطْلَقُ فِيمَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الظَّنِّ فِي الْمُعْتَادِ وَالْمُتَعَارَفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [الْبَقَرَةِ: 33] الثَّانِي: قَالَ الْقَاضِي: إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ أُجُورِهِنَّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ هَذَا الْقَائِلُ: وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَهْرَ مُقَدَّرٌ، وَلَا مَعْنًى لِاشْتِرَاطِ الْمَعْرُوفِ فِيهِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَا يَقْدَحُ فِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا وَكِفَايَتِهَا كَمَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ إِذَا حَصَلَتِ التَّخْلِيَةُ مِنَ الْمَوْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى الْعَادَةِ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْمَهْرِ، وَحَمَلُوا قَوْلَهُ: بِالْمَعْرُوفِ عَلَى إِيصَالِ الْمَهْرِ إِلَيْهَا عَلَى الْعَادَةِ الْجَمِيلَةِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مِنْ غَيْرِ مَطْلٍ وَتَأْخِيرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الْأَمَةَ هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِقَبْضِ مَهْرِهَا، وَأَنَّ الْمَوْلَى إِذَا آجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْأَجْرِ دُونَهَا وَهَؤُلَاءِ احْتَجُّوا فِي الْمَهْرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُمُ احْتَجُّوا عَلَى أَنَّ مَهْرَهَا لِمَوْلَاهَا بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ، أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [النَّحْلِ: 75] وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَ الْمَمْلُوكِ مَالِكًا لِشَيْءٍ أَصْلًا، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ عِوَضًا عَنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَتِلْكَ الْمَنَافِعُ مَمْلُوكَةٌ لِلسَّيِّدِ، وَهُوَ الَّذِي أَبَاحَهَا لِلزَّوْجِ بِقَيْدِ النِّكَاحِ، فَوَجَبَ أَنْ/ يَكُونَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِبَدَلِهَا.
وَالْجَوَابُ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِالْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّا إذا حملنا لفظ الْأُجُورَ فِي الْآيَةِ عَلَى النَّفَقَةِ زَالَ السُّؤَالُ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَضَافَ إِيتَاءَ الْمُهُورِ إِلَيْهِنَّ لِأَنَّهُ ثَمَنُ بُضْعِهِنَّ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: وَآتُوهُنَّ مَا يُوجِبُ كَوْنَ الْمَهْرِ مِلْكًا لَهُنَّ،
وَلَكِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «الْعَبْدُ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ»
فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْمَهْرُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى بِهَذِهِ الطَّرِيقِ واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُحْصَنَاتٌ أَيْ عَفَائِفُ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، فَظَاهِرُ هَذَا يُوجِبُ حُرْمَةَ نِكَاحِ الزَّوَانِي مِنَ الْإِمَاءِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَنَّ نِكَاحَ الزَّوَانِي هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ وَسَنَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً [النُّورِ: 3] وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مَحْمُولَةً عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُسافِحاتٍ أَيْ غَيْرَ زَوَانٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ جَمْعِ خِدْنٍ، كَالْأَتْرَابِ جَمْعِ تِرْبٍ، وَالْخِدْنُ الَّذِي يُخَادِنُكَ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مَعَكَ فِي كُلِّ أَمْرٍ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُسَافِحَةُ هِيَ الَّتِي تُؤَاجِرُ نَفْسَهَا مَعَ أَيِّ رَجُلٍ أَرَادَهَا، وَالَّتِي تَتَّخِذُ الْخِدْنَ فَهِيَ الَّتِي تَتَّخِذُ خِدْنًا مُعَيَّنًا، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْصِلُونَ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ، وَمَا كَانُوا يَحْكُمُونَ عَلَى ذَاتِ الْخِدْنِ بِكَوْنِهَا زَانِيَةً، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْفَرْقُ مُعْتَبَرًا عِنْدَهُمْ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بالذكر، ونص على حرمتها مَعًا، وَنَظِيرُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ [الأعراف: 33] .

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 51
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست