responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 17
وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ أَيْ: وَلَا تَنْكِحُوا مَا وَطِئَهُنَّ آبَاؤُكُمْ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْكُوحَةُ وَالْمَزْنِيَّةُ، لَا يُقَالُ: كَمَا أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ وَرَدَ بِمَعْنَى الْوَطْءِ فَقَدْ وَرَدَ/ أَيْضًا بِمَعْنَى الْعَقْدِ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النُّورِ: 32] فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النِّسَاءِ: 3] إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ [الْأَحْزَابِ:
49]
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أُولَدْ مِنْ سِفَاحٍ»
فَلِمَ كَانَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ؟
أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَرْخِيُّ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الضَّمِّ، وَمَعْنَى الضَّمِّ حَاصِلٌ فِي الْوَطْءِ لَا فِي الْعَقْدِ، فَكَانَ لَفْظُ النِّكَاحِ حَقِيقَةً فِي الْوَطْءِ. ثُمَّ إِنَّ الْعَقْدَ سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لَهُ أُطْلِقَ اسْمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، كَمَا أَنَّ الْعَقِيقَةَ اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ حَالَ مَا يُولَدُ، ثُمَّ تُسَمَّى الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِ ذَلِكَ الشَّعْرِ عَقِيقَةً فَكَذَا هاهنا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ مَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ بِالِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا، فَلَا جَرَمَ كَانَ يَقُولُ: الْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمُ الْوَطْءِ، أَمَّا حُكْمُ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، بَلْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَدَلِيلٍ آخَرَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَفْهُومَيْهِ مَعًا فَهَذَا الْقَائِلُ قَالَ: دَلَّتِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَفِي الْعَقْدِ مَعًا، فَكَانَ قَوْلُهُ: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ نَهْيًا عَنِ الْوَطْءِ وَعَنِ الْعَقْدِ مَعًا، حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى كِلَا مَفْهُومَيْهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَفْهُومَيْهِ مَعًا، قَالُوا: ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْآنِ فِي الْوَطْءِ تَارَةً وَفِي الْعَقْدِ أُخْرَى، وَالْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِهِ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَعْنَى الضَّمِّ حَتَّى يَنْدَفِعَ الِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ نَهْيًا عَنِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِسْمَيْنِ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّزْوِيجِ يَكُونُ نَهْيًا عَنِ الْعَقْدِ وَعَنِ الْوَطْءِ مَعًا، فَهَذَا أَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَقَعُ عَلَى الْوَطْءِ، وَالْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مُعَارَضَةٌ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا:
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «النِّكَاحُ سُنَّتِي»
وَلَا شَكَّ أَنَّ الوطء من حيث كونه وطأ لَيْسَ سُنَّةً لَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ بِالسِّفَاحِ سُنَّةً لَهُ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النِّكَاحَ سُنَّةٌ، وَثَبَتَ أَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ سُنَّةً، ثَبَتَ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنِ الْوَطْءِ، كَذَلِكَ التَّمَسُّكُ
بِقَوْلِهِ: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا»
وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ مُسَمًّى بِالنِّكَاحِ لَكَانَ هَذَا إِذْنًا فِي مُطْلَقِ الْوَطْءِ/ وَكَذَلِكَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النُّورِ: 32] وَقَوْلِهِ: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النِّسَاءِ: 3] .
لَا يُقَالُ: لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ هَذِهِ الدَّلَائِلِ فَالتَّرْجِيحُ مَعَنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا: الْوَطْءُ مُسَمًّى بِالنِّكَاحِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ لَزِمَ دُخُولُ الْمَجَازِ فِي دَلَائِلِنَا، وَمَتَى وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصِ كَانَ الْتِزَامُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 17
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست