responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 160
حَاصِلٌ بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَأَمَّا الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ قَصْرَ الْآيَةِ عَلَيْهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِلَّا صَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَجْنَبِيَّةً عَمَّا قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ دُخُولَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي اللَّفْظِ فَهَذَا جَائِزٌ لِأَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ لَا يَمْنَعُ عُمُومَ اللَّفْظِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْكِفْلُ: هُوَ الْحَظُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الْحَدِيدِ: 28] أَيْ حَظَّيْنِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَفَلْتُ الْبَعِيرَ وَاكْتَفَلْتُهُ إِذَا أَدَرْتَ عَلَى سَنَامِهِ كِسَاءً وَرَكِبْتَ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا قِيلَ: كَفَلْتُ الْبَعِيرَ وَاكْتَفَلْتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ كُلَّ الظَّهْرِ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ نَصِيبًا مِنَ الظَّهْرِ. قَالَ ابْنُ الْمُظَفَّرِ:
لَا يُقَالُ: هَذَا كِفْلُ فُلَانٍ حَتَّى تَكُونَ قَدْ هَيَّأْتَ لِغَيْرِهِ مِثْلَهُ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي النَّصِيبِ، فَإِنْ أَفْرَدْتَ فَلَا تَقُلْ لَهُ كِفْلٌ وَلَا نَصِيبٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَالَ فِي الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ: يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَقَالَ فِي الشَّفَاعَةِ السَّيِّئَةِ: يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَهَلْ لِاخْتِلَافِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فَائِدَةٌ؟
قُلْنَا: الْكِفْلُ اسْمٌ لِلنَّصِيبِ الَّذِي عَلَيْهِ يَكُونُ اعْتِمَادُ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ كِفْلُ الْبَعِيرِ لِأَنَّكَ حَمَيْتَ ظَهْرَ الْبَعِيرِ بِذَلِكَ الْكِسَاءِ عَنِ الْآفَةِ، وَحَمَى الرَّاكِبُ بَدَنَهُ بِذَلِكَ الْكِسَاءِ عَنِ ارْتِمَاسِ ظَهْرِ الْبَعِيرِ فَيَتَأَذَّى بِهِ، وَيُقَالُ لِلضَّامِنِ:
كَفِيلٌ.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ»
فَثَبَتَ أَنَّ الْكِفْلَ هُوَ النَّصِيبُ الَّذِي عَلَيْهِ يَعْتَمِدُ الْإِنْسَانُ فِي تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ لِنَفْسِهِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْ نَفْسِهِ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها أَيْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا نَصِيبٌ يَكُونُ ذَلِكَ النَّصِيبُ ذَخِيرَةً لَهُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَالْمَقْصُودُ حُصُولُ ضِدِّ ذَلِكَ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: 21] / وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى سُقُوطِ الْحَقِّ وَقُوَّةِ الْبَاطِلِ تَكُونُ عَظِيمَةَ الْعِقَابِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْمُقِيتِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُقِيتُ الْقَادِرُ عَلَى الشَّيْءِ، وَأَنْشَدُوا لِلزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ ... وَكُنْتُ عَلَى إِسَاءَتِهِ مُقِيتَا
وَقَالَ آخَرُ:
لَيْتَ شِعْرِي وَأَشْعُرَنْ إِذَا مَا ... قَرَّبُوهَا مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ
إلي الفضل أم علي إذا حوسبت ... أَنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
وَأَنْشَدَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ:
تَجَلَّدْ وَلَا تَجْزَعْ وَكُنْ ذَا حَفِيظَةٍ ... فَإِنِّي عَلَى مَا سَاءَهُمْ لَمُقِيتُ
الثَّانِي: الْمُقِيتُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُوتِ، يُقَالُ: قُتُّ الرَّجُلَ إِذَا حَفَظْتَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ بِمَا يَقُوتُهُ، وَاسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ هُوَ الْقُوتُ، وَهُوَ الَّذِي لَا فَضْلَ لَهُ عَلَى قَدْرِ الْحِفْظِ، فَالْمُقِيتُ هُوَ الْحَفِيظُ الَّذِي يُعْطِي الشَّيْءَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّه: وَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ فَالتَّأْوِيلُ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِيصَالِ النَّصِيبِ وَالْكِفْلِ مِنَ الْجَزَاءِ إِلَى الشَّافِعِ مِثْلَ مَا يُوصِلُهُ إِلَى الْمَشْفُوعِ فِيهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَلَا يَنْتَقِصُ بِسَبَبِ مَا يَصِلُ إِلَى الشَّافِعِ شَيْءٌ مِنْ جَزَاءِ الْمَشْفُوعِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى حَافِظُ الْأَشْيَاءِ شَاهِدٌ عَلَيْهَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 160
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست