responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 159
التَّكْلِيفَ رَجَعَ إِلَيْهِمْ مِنْ طَاعَتِهِمْ خَيْرٌ كَثِيرٌ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: حَرِّضْهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا قَوْلَكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِصْيَانِهِمْ عِتَابٌ لَكَ، وَإِنْ أَطَاعُوكَ حَصَلَ لَكَ مِنْ طَاعَتِهِمْ أَعْظَمُ الثَّوَابِ، فَكَانَ هَذَا تَرْغِيبًا مِنَ اللَّه لِرَسُولِهِ فِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْرِيضِ الْأُمَّةِ عَلَى الْجِهَادِ، وَالسَّبَبُ فِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ عِنْدَ طَاعَتِهِمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، وَمَا كَانَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْوِزْرِ، هُوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَذَلَ الْجُهْدَ فِي تَرْغِيبِهِمْ فِي الطَّاعَةِ وَمَا رَغَّبَهُمُ الْبَتَّةَ فِي الْمَعْصِيَةِ، فَلَا جَرَمَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِمْ أَجْرٌ وَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ وِزْرٌ. الثَّالِثُ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا كَانَ يُرَغِّبُهُمْ فِي الْقِتَالِ وَيُبَالِغُ فِي تَحْرِيضِهِمْ عَلَيْهِ، فَكَانَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ يَشْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَأْذَنَ لِبَعْضِهِمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْغَزْوِ، فَنَهَى اللَّه عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا تَحْسُنُ إِذَا كَانَتْ وَسِيلَةً إِلَى إِقَامَةِ طَاعَةِ اللَّه، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ وَسِيلَةً إِلَى مَعْصِيَتِهِ كَانَتْ مُحَرَّمَةً مُنْكَرَةً. الرَّابِعُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ رَاغِبًا فِي الْجِهَادِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ أُهْبَةَ الْجِهَادِ، فَصَارَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ شَفِيعًا لَهُ إِلَى مُؤْمِنٍ آخَرَ لِيُعِينَهُ عَلَى الْجِهَادِ، فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ سَعْيًا فِي إِقَامَةِ الطَّاعَةِ، فَرَغَّبَ اللَّه تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَالْآيَةُ حَسَنَةُ الِاتِّصَالِ بِمَا قَبْلَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الشَّفَاعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشَّفْعِ، وَهُوَ أَنْ يُصَيِّرَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ شَفْعًا لِصَاحِبِ الْحَاجَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ مَعَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِيهَا.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي الشَّفَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا تَحْرِيضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسلام يأمرهم بالغزو فقد جعل نفسه شفعا لَهُمْ فِي تَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجِهَادِ، وَأَيْضًا فَالتَّحْرِيضُ عَلَى الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَمْرِ بِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الرِّفْقِ وَالتَّلَطُّفِ، وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الشَّفَاعَةِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ يَشْفَعُ لِمُنَافِقٍ آخَرَ فِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ يَشْفَعُ لِمُؤْمِنٍ آخَرَ عِنْدَ مُؤْمِنٍ ثَالِثٍ فِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ آلَاتِ الْجِهَادِ. الثَّالِثُ: نَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عنهما ما معناه أن الشفاعة الحسنة هاهنا هِيَ أَنْ يَشْفَعَ إِيمَانُهُ باللَّه بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، وَالشَّفَاعَةَ السَّيِّئَةَ أَنْ يَشْفَعَ كُفْرُهُ بِالْمَحَبَّةِ لِلْكُفَّارِ وَتَرْكِ إِيذَائِهِمْ. الرَّابِعُ: قَالَ مُقَاتِلٌ: الشَّفَاعَةُ/ إِلَى اللَّه إِنَّمَا تَكُونُ بِالدُّعَاءِ، وَاحْتَجَّ بِمَا
رَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ اسْتُجِيبَ لَهُ وَقَالَ الْمَلِكُ لَهُ وَلَكَ مِثْلُ ذَلِكَ»
فَهَذَا هُوَ النَّصِيبُ، وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ فَهِيَ مَا
رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا دَخَلُوا عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَالسَّامُ هُوَ الْمَوْتُ، فَسَمِعَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فَقَالَتْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، أَتَقُولُونَ هَذَا لِلرَّسُولِ! فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا قَالُوا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
الْخَامِسُ: قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: الْمُرَادُ هُوَ الشَّفَاعَةُ الَّتِي بَيْنَ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَمَا يَجُوزُ فِي الدِّينِ أَنْ يُشْفَعَ فِيهِ فَهُوَ شَفَاعَةٌ حَسَنَةٌ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْفَعَ فِيهِ فَهُوَ شَفَاعَةٌ سَيِّئَةٌ، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَإِنْ لَمْ يُشَفَّعْ، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يَشْفَعْ وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ يُشَفَّعْ، وَيَتَأَيَّدُ هَذَا
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا» .
وَأَقُولُ: هَذِهِ الشَّفَاعَةُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْجِهَادِ وَإِلَّا صَارَتِ الْآيَةُ مُنْقَطِعَةً عَمَّا قَبْلَهَا، وَذَلِكَ التَّعَلُّقُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 159
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست