responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 146
عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي مَعْنَى الْخَصْبِ وَالْجَدْبِ فَكَانَتْ مُخْتَصَّةً بِهِمَا. الثَّانِي: أَنَّ الْحَسَنَةَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الْخَيْرُ وَالطَّاعَةُ لَا يُقَالُ فِيهَا أَصَابَتْنِي، إِنَّمَا يُقَالُ أَصَبْتُهَا، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ/ أَصَابَتْ فُلَانًا حَسَنَةٌ بِمَعْنَى عَمِلَ خَيْرًا، أَوْ أَصَابَتْهُ سَيِّئَةٌ بِمَعْنَى عَمِلَ مَعْصِيَةً، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْتُمْ لَقَالَ إِنْ أَصَبْتُمْ حَسَنَةً. الثَّالِثُ:
لَفْظُ الْحَسَنَةِ وَاقِعٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَلَى الْمَنْفَعَةِ، وهاهنا أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُرَادَةٌ، فَيَمْتَنِعُ كَوْنُ الطَّاعَةِ مُرَادَةً، ضَرُورَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَفْهُومَيْهِ مَعًا.
فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّكُمْ تُسَلِّمُونَ أَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ لَا يَقْدَحُ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: أَصَابَنِي تَوْفِيقٌ مِنَ اللَّه وَعَوْنٌ مِنَ اللَّه، وَأَصَابَهُ خِذْلَانٌ مِنَ اللَّه، وَيَكُونُ مُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ التَّوْفِيقَ وَالْعَوْنَ تِلْكَ الطَّاعَةَ، وَمِنَ الْخُذْلَانِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَهُوَ حَسَنَةٌ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ الطَّاعَةُ، وَإِنْ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ السَّعَادَةُ الْحَاضِرَةُ، فَاسْمُ الْحَسَنَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مُتَوَاطِئُ الِاشْتِرَاكِ، فَزَالَ السُّؤَالُ. فَثَبَتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ إِلَّا ذَاكَ مَا ثَبَتَ فِي بَدَائِهِ الْعُقُولِ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَهُوَ إِمَّا وَاجِبٌ لِذَاتِهِ، وَإِمَّا مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَالْوَاجِبُ لِذَاتِهِ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ كُلُّ مَا سِوَاهُ، فَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ إِنِ اسْتَغْنَى عَنِ الْمُؤَثِّرِ فَسَدَ الِاسْتِدْلَالُ بِجَوَازِ الْعَالَمِ وَحُدُوثِهِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ نَفْيُ الصَّانِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ مُحْتَاجًا إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ مَا سِوَى اللَّه مُمْكِنًا كَانَ كُلُّ مَا سِوَى اللَّه مُسْتَنِدًا إِلَى اللَّه، وَهَذَا الْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ مَلَكًا أَوْ جَمَادًا أَوْ فِعْلًا لِلْحَيَوَانِ أَوْ صِفَةً لِلنَّبَاتِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ لا ستناد الْمُمْكِنِ لِذَاتِهِ إِلَى الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ كَوْنِهِ مُمْكِنًا كَانَ الْكُلُّ فِيهِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَهَذَا بُرْهَانٌ أَوْضَحُ وَأَبْيَنُ مِنْ قُرْصِ الشَّمْسِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرَهُ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُهُ:
قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْبُرْهَانُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ كل ما سوى اللَّه مستندا إلى اللَّه عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَخَّصْنَاهُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَالْجَلَاءِ، قَالَ تَعَالَى: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً وَهَذَا يَجْرِي مَجْرَى التَّعَجُّبِ مِنْ عَدَمِ وُقُوفِهِمْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْكَلَامِ مَعَ ظُهُورِهِ. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُصُولُ الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِتَخْلِيقِ اللَّه تَعَالَى لَمْ يبق هذا التَّعَجُّبِ مَعْنًى الْبَتَّةَ، لِأَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِ حُصُولِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى مَا خَلَقَهَا وَمَا أَوْجَدَهَا، وَذَلِكَ يُبْطِلُ هَذَا التَّعَجُّبَ، فَحُصُولُ هَذَا التَّعَجُّبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِإِيجَادِ الْعَبْدِ لَا بِإِيجَادِ اللَّه تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيْسَ إِلَّا التَّمَسُّكَ بِطَرِيقَةِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِالْعِلْمِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ هَذِهِ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهَذَا يَقْتَضِي وَصْفَ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ، وَالْحَدِيثُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مُحْدَثًا.
وَالْجَوَابُ: مُرَادُكُمْ بِالْقُرْآنِ لَيْسَ إِلَّا هَذِهِ الْعِبَارَاتُ، وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِي كَوْنِهَا مُحْدَثَةً.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 146
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست