responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 145
وَالْحُصُونُ، وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ مِنَ الظُّهُورِ، يُقَالُ: تَبَرَّجَتِ الْمَرْأَةُ، إِذَا أَظْهَرَتْ مَحَاسِنَهَا، وَالْمُشَيَّدَةُ الْمُرْتَفِعَةُ، وَقُرِئَ مُشَيَّدَةٍ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : مِنْ شَادَ القصر إِذَا رَفَعَهُ أَوْ طَلَاهُ بِالشَّيْدِ وَهُوَ الْجَصُّ، وَقَرَأَ نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَصْفًا لَهَا بِفِعْلِ فَاعِلِهَا مَجَازًا، كَمَا قَالُوا: قَصِيدَةٌ شَاعِرَةٌ، وَإِنَّمَا الشَّاعِرُ قَائِلُهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ كَوْنَهُمْ مُتَثَاقِلِينَ عَنِ الْجِهَادِ خَائِفِينَ مِنَ الْمَوْتِ غَيْرَ رَاغِبِينَ/ فِي سَعَادَةِ الْآخِرَةِ حَكَى عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَصْلَةً أُخْرَى قَبِيحَةً أَقْبَحَ مِنَ الْأُولَى، وَفِي النَّظْمِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَائِفِينَ مِنَ الْمَوْتِ الْمُتَثَاقِلِينَ فِي الْجِهَادِ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا جَاهَدُوا وَقَاتَلُوا فَإِنْ أَصَابُوا واحدة وَغَنِيمَةً قَالُوا: هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّه، وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَكْرُوهٌ قَالُوا: هَذَا مِنْ شُؤْمِ مُصَاحَبَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ حُمْقِهِمْ وَجَهْلِهِمْ وَشِدَّةِ عِنَادِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَتِ الْمَدِينَةُ مَمْلُوءَةً مِنَ النِّعَمِ وَقْتَ مَقْدَمِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا ظَهَرَ عِنَادُ الْيَهُودِ وَنِفَاقُ الْمُنَافِقِينَ أَمْسَكَ اللَّه عَنْهُمْ بَعْضَ الْإِمْسَاكِ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ، قَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ فَعِنْدَ هَذَا قَالَ الْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ: مَا رَأَيْنَا أَعْظَمَ شُؤْمًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، نَقَصَتْ ثِمَارُنَا وَغَلَتْ أَسْعَارُنَا مُنْذُ قَدِمَ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَعْنِي الْخَصْبَ وَرُخْصَ السِّعْرِ وَتَتَابُعَ الْأَمْطَارِ قَالُوا: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّه وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ جَدْبٌ وَغَلَاءُ سِعْرٍ قَالُوا هَذَا مِنْ شُؤْمِ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ [الْأَعْرَافِ: 131] وَعَنْ قَوْمِ صَالِحٍ: قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ [النَّمْلِ: 47] .
الْقَوْلُ الثَّانِي: الْمُرَادُ مِنَ الْحَسَنَةِ النَّصْرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَالْغَنِيمَةُ، وَمِنَ السَّيِّئَةِ الْقَتْلُ وَالْهَزِيمَةُ قَالَ الْقَاضِي:
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِأَنَّ إِضَافَةَ الْخَصْبِ وَالْغَلَاءِ إِلَى اللَّه وَكَثْرَةِ النِّعَمِ وَقِلَّتِهَا إِلَى اللَّه جَائِزَةٌ، أَمَّا إِضَافَةُ النَّصْرِ وَالْهَزِيمَةِ إِلَى اللَّه فَغَيْرُ جَائِزَةٍ، لِأَنَّ السَّيِّئَةَ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْهَزِيمَةِ وَالْقَتْلِ لَمْ يَجُزْ إِضَافَتُهَا إِلَى اللَّه، وَأَقُولُ: الْقَوْلُ كَمَا قَالَ عَلَى مَذْهَبِهِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَالْكُلُّ دَاخِلٌ فِي قَضَاءِ اللَّه وَقَدَرِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ السَّيِّئَةَ تَقَعُ عَلَى الْبَلِيَّةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْحَسَنَةَ عَلَى النِّعْمَةِ وَالطَّاعَةَ قَالَ تَعَالَى:
وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الْأَعْرَافِ: 168] وَقَالَ: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هُودٍ: 114] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ الْحَسَنَاتِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ السَّيِّئَاتِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ مِنَ اللَّه، ولما ثبت بما ذكرناه أَنَّ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِيَ دَاخِلَتَانِ تَحْتَ اسْمِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ كَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي مِنَ اللَّه وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
فَإِنْ قيل: المراد هاهنا بِالْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ لَيْسَ هُوَ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: اتِّفَاقُ الْكُلِّ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 145
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست