responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 126
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَعْصُومُونَ عَنِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِمْ مُطْلَقًا، فَلَوْ أَتَوْا بِمَعْصِيَةٍ لَوَجَبَ عَلَيْنَا الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ فَتَصِيرُ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ وَاجِبَةً عَلَيْنَا، وَكَوْنُهَا مَعْصِيَةً يُوجِبُ كَوْنَهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْنَا، فَيَلْزَمُ تَوَارُدُ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَإِنَّهُ مُحَالٌ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَسْتُمْ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى كَلَامِ الْجُبَّائِيِّ ذَكَرْتُمْ أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا لِيُطاعَ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ، فَكَيْفَ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لَا يَتِمُّ إِلَّا مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ.
قُلْنَا: ظَاهِرُ اللَّفْظِ يُوهِمُ الْعُمُومَ، وَإِنَّمَا تَرَكْنَا الْعُمُومَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الْقَاطِعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُرِيدَ الْإِيمَانَ مِنَ الْكَافِرِ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ الْمُعَارِضِ الْقَاطِعِ صَرَفْنَا الظَّاهِرَ عَنِ الْعُمُومِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَقْلِيٌّ يُوجِبُ الْقَدْحَ في عصمة الأنبياء فظهر الفرق.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ النُّزُولِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِهِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، يَعْنِي لَوْ أَنَّهُمْ عند ما ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالتَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ وَالْفِرَارِ مِنَ التَّحَاكُمِ إِلَى الرَّسُولِ جَاءُوا الرَّسُولَ وَأَظْهَرُوا النَّدَمَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ وَتَابُوا عَنْهُ وَاسْتَغْفَرُوا مِنْهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ بِأَنْ يَسْأَلَ اللَّه أَنْ يَغْفِرَهَا لَهُمْ عِنْدَ تَوْبَتِهِمْ لَوَجَدُوا اللَّه تَوَّابًا رَحِيمًا. الثَّانِي:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ: أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ اصْطَلَحُوا عَلَى كَيْدٍ فِي حَقِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْغَرَضِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَهُ بِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ قَوْمًا دَخَلُوا يُرِيدُونَ أَمْرًا لَا يَنَالُونَهُ، فَلْيَقُومُوا وَلْيَسْتَغْفِرُوا اللَّه حَتَّى أَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَلَمْ يَقُومُوا، فَقَالَ: أَلَا تَقُومُونَ، فَلَمْ يَفْعَلُوا فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا فُلَانُ قُمْ يَا فُلَانُ حَتَّى عَدَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقَامُوا وَقَالُوا: كُنَّا عَزَمْنَا عَلَى مَا قُلْتَ، وَنَحْنُ نَتُوبُ إِلَى اللَّه مِنْ ظُلْمِنَا أَنْفُسَنَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا، فَقَالَ: الْآنَ اخْرُجُوا أَنَا كُنْتُ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ أَقْرَبَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ: وَكَانَ اللَّه أَقْرَبَ إِلَى الْإِجَابَةِ اخْرُجُوا عَنِّي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَلَيْسَ لَوِ اسْتَغْفَرُوا اللَّه وَتَابُوا عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ مَقْبُولَةً، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ضَمِّ اسْتِغْفَارِ الرَّسُولِ إِلَى اسْتِغْفَارِهِمْ؟
قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ التَّحَاكُمَ إِلَى الطَّاغُوتِ كَانَ مُخَالَفَةً لِحُكْمِ اللَّه، وَكَانَ أَيْضًا إِسَاءَةً إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِدْخَالًا لِلْغَمِّ فِي قَلْبِهِ، وَمَنْ كَانَ ذَنْبُهُ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاعْتِذَارُ عَنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ لِغَيْرِهِ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَطْلُبُوا مِنَ الرَّسُولِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ. الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ الرَّسُولِ ظهر منهم ذلك التمر، فَإِذَا تَابُوا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُزِيلُ عَنْهُمْ ذَلِكَ التَّمَرُّدَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِأَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَطْلُبُوا مِنْهُ الِاسْتِغْفَارَ. الثَّالِثُ: لَعَلَّهُمْ إِذَا أَتَوْا بِالتَّوْبَةِ أَتَوْا بِهَا عَلَى وَجْهِ الْخَلَلِ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا اسْتِغْفَارُ الرَّسُولِ صَارَتْ مُسْتَحِقَّةً لِلْقَبُولِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّمَا قَالَ: وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ وَلَمْ يَقُلْ وَاسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ إِجْلَالًا لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 126
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست