responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 125
المسألة الأولى: قال الزجاج كلمة «من» هاهنا صِلَةٌ زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا أَرْسَلْنَا رَسُولًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ أَحَدًا إِلَّا كَذَا وَكَذَا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَكُونُ الْمُبَالَغَةُ أَتَمَّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا أَرْسَلْتُ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا وَأَنَا مُرِيدٌ أَنْ يُطَاعَ وَيُصَدَّقَ وَلَمْ أُرْسِلْهُ لِيُعْصَى. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ على بطلان مذهب المجبرة لا نهم يَقُولُونَ: إِنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ رُسُلًا لِتُعْصَى، وَالْعَاصِي مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْكُفْرِ، وَقَدْ نَصَّ اللَّه عَلَى كَذِبِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَفَى، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرْسَلَ الرُّسُلَ لِيُطَاعُوا وَلِيُعْصَوْا جَمِيعًا، فَدَلَّ ذَلِكَ على أن معصيتهم للرسول غَيْرُ مُرَادَةٍ للَّه، وَأَنَّهُ تَعَالَى مَا أَرَادَ إِلَّا أَنْ يُطَاعَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا لِيُطاعَ يَكْفِي فِي تَحْقِيقِ مَفْهُومِهِ أَنْ يُطِيعَهُ مُطِيعٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَحَقُّقِ مَفْهُومِهِ أَنْ يُطِيعَهُ جَمِيعُ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ: وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّه تَعَالَى فَقَدْ أَطَاعَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، إِلَّا أَنَّ الْجُبَّائِيَّ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، فَسَقَطَ هَذَا الْإِشْكَالُ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ. الثَّانِي: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ فَإِنَّهُ لا بد وأن يقربه عِنْدَ مَوْتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النِّسَاءِ: 159] أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى إِيمَانِ الْكُلِّ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَصْفَ فِي جَانِبِ الثُّبُوتِ يَكْفِي فِي حُصُولِ مُسَمَّاهُ ثُبُوتُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الطَّاعَةِ مَعَ وُجُودِ الطَّاعَةِ مُتَضَادَّانِ، وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ مُمْتَنِعُ الْعَدَمِ، فَكَانَتِ الطَّاعَةُ مُمْتَنِعَةَ الْوُجُودِ، واللَّه عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، فَكَانَ عَالِمًا بِكَوْنِ الطَّاعَةِ مُمْتَنِعَةَ الْوُجُودِ، وَالْعَالِمُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ مُرِيدًا لَهُ، فَثَبَتَ بِهَذَا الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ أَنْ يَسْتَحِيلَ أَنْ يُرِيدَ اللَّه مِنَ الْكَافِرِ كَوْنَهُ مُطِيعًا، فَوَجَبَ تَأْوِيلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ لَيْسَ الْإِرَادَةَ بَلِ الْأَمْرَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رسول إلا ليأمر النَّاسُ بِطَاعَتِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سَقَطَ الْإِشْكَالُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالْعِصْيَانِ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّه تَعَالَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْإِذْنِ الْأَمْرَ وَالتَّكْلِيفَ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ رَسُولًا إِلَّا أَنَّ اللَّه/ أَمَرَ بِطَاعَتِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْإِذْنِ هُوَ هَذَا لَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَمَا أَذِنَّا فِي طَاعَةِ مَنْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَّا بِإِذْنِنَا وَهُوَ تَكْرَارٌ قَبِيحٌ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْإِذْنِ عَلَى التَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِتَوْفِيقِنَا وَإِعَانَتِنَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَا أَرَادَ مِنَ الْكُلِّ طَاعَةَ الرَّسُولِ، بَلْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ إِلَّا مِنَ الَّذِي وَفَّقَهُ اللَّه لِذَلِكَ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ. وَأَمَّا الْمَحْرُومُونَ مِنَ التَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ فاللَّه تَعَالَى مَا أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى مَذْهَبِنَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَسُولَ إِلَّا وَمَعَهُ شَرِيعَةٌ لِيَكُونَ مُطَاعًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ وَمَتْبُوعًا فِيهَا، إِذْ لَوْ كَانَ لَا يَدْعُو إِلَّا إِلَى شَرْعِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُطَاعًا، بَلْ كَانَ الْمُطَاعُ هُوَ الرَّسُولُ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي هُوَ الْوَاضِعُ لِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ، واللَّه تَعَالَى حَكَمَ عَلَى كُلِّ رَسُولٍ بِأَنَّهُ مُطَاعٌ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 125
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست