responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 220
الْأَنْبِيَاءَ/ وَالصَّالِحِينَ فِي الدُّنْيَا فَأَرْجُو أَنْ لَا أُفَارِقَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ، قَالَ تَعَالَى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ [النِّسَاءِ: 69] الآية.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْهَنْدَسَةِ قَالُوا الْخَطُّ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ أَقْصَرُ خَطٍّ يَصِلُ بَيْنَ نُقْطَتَيْنِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَطَّ الْمُسْتَقِيمَ أَقْصَرُ مِنْ جَمِيعِ الْخُطُوطِ الْمُعْوَجَّةِ، فَكَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ:
أَنَّهُ أَقْرَبُ الْخُطُوطِ وَأَقْصَرُهَا، وَأَنَا عَاجِزٌ فَلَا يَلِيقُ بِضَعْفِي إِلَّا الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُسْتَقِيمَ وَاحِدٌ وَمَا عَدَاهُ مُعْوَجَّةٌ وَبَعْضُهَا يُشْبِهُ بَعْضًا فِي الِاعْوِجَاجِ فَيَشْتَبِهُ الطَّرِيقُ عَلَيَّ، أَمَّا الْمُسْتَقِيمُ فَلَا يُشَابِهُهُ غَيْرُهُ فَكَانَ أَبْعَدَ عَنِ الْخَوْفِ وَالْآفَاتِ وَأَقْرَبَ إِلَى الْأَمَانِ. الثَّالِثُ: الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ يُوصِلُ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَالْمُعْوَجُّ لَا يُوصِلُ إِلَيْهِ.
وَالرَّابِعُ: الْمُسْتَقِيمُ لَا يَتَغَيَّرُ، وَالْمُعْوَجُّ يَتَغَيَّرُ، فَلِهَذِهِ الْأَسْبَابِ سَأَلَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ فوائد:
معنى قوله (صراط الذين أنعمت عليهم) :
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: فِي حَدِّ النِّعْمَةِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنِ المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، ومنهم من يقول: المنفعة الحسنة المفعولة على جِهَةِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ، قَالُوا وَإِنَّمَا زِدْنَا هَذَا الْقَيْدَ لِأَنَّ النِّعْمَةَ يُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّكْرُ، وَإِذَا كَانَتْ قَبِيحَةً لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّكْرُ، وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، لِأَنَّهُ يجوز أن يستحق الشكر بالإحسان وإن كان فِعْلُهُ مَحْظُورًا، لِأَنَّ جِهَةَ اسْتِحْقَاقِ الشُّكْرِ غَيْرُ جهة استحقاق الذَّنْبِ وَالْعِقَابِ، فَأَيُّ امْتِنَاعٍ فِي اجْتِمَاعِهِمَا؟ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَاسِقَ يَسْتَحِقُّ بِإِنْعَامِهِ الشُّكْرَ، وَالذَّمَّ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأمر هاهنا كذلك.
ولنرجع إلى تفسير الخد الْمَذْكُورِ فَنَقُولُ: أَمَّا قَوْلُنَا «الْمَنْفَعَةُ» فَلِأَنَّ الْمَضَرَّةَ الْمَحْضَةَ لَا تَكُونُ نِعْمَةً، وَقَوْلُنَا «الْمَفْعُولَةُ عَلَى جِهَةِ الْإِحْسَانِ» لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَفْعًا حَقًّا وَقَصَدَ الْفَاعِلُ بِهِ نَفْعَ نَفْسِهِ لَا نَفْعَ الْمَفْعُولِ بِهِ لَا يَكُونُ نِعْمَةً، وَذَلِكَ كَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى جَارِيَتِهِ لِيَرْبَحَ عَلَيْهَا.
إِذَا عَرَفْتَ حَدَّ النِّعْمَةِ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا يَصِلُ إِلَى الْخَلْقِ مِنَ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النَّحْلِ: 53] ثُمَّ إِنَّ النِّعْمَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: نِعْمَةٌ تَفَرَّدَ لله بِإِيجَادِهَا، نَحْوَ أَنْ خَلَقَ وَرَزَقَ. وَثَانِيهَا: نِعْمَةٌ وَصَلَتْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ اللَّهِ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فَهِيَ أَيْضًا إِنَّمَا وَصَلَتْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ/ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِتِلْكَ النِّعْمَةِ، وَالْخَالِقُ لِذَلِكَ الْمُنْعِمِ، وَالْخَالِقُ لِدَاعِيَةِ الْإِنْعَامِ بِتِلْكَ النِّعْمَةِ فِي قَلْبِ ذَلِكَ الْمُنْعِمِ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَجْرَى تِلْكَ النِّعْمَةَ عَلَى يَدِ ذَلِكَ الْعَبْدِ كَانَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَشْكُورًا، وَلَكِنَّ الْمَشْكُورَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِهَذَا قَالَ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لُقْمَانَ: 14] فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ إِنْعَامَ الْخَلْقِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِإِنْعَامِ اللَّهِ، وَثَالِثُهَا: نِعَمٌ وَصَلَتْ مِنَ اللَّهِ إِلَيْنَا بِسَبَبِ طَاعَتِنَا، وَهِيَ أَيْضًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفقنا للطاعات

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 220
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست