responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 219
يُحْكَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَقَالَ: يَا شَيْخُ إِلَى أَيْنَ؟
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، قَالَ كَأَنَّكَ مَجْنُونٌ لَا أَرَى لَكَ مَرْكَبًا، وَلَا زَادًا، وَالسَّفَرُ طَوِيلٌ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ لِي مَرَاكِبَ كَثِيرَةً وَلَكِنَّكَ لَا تَرَاهَا، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: إِذَا نَزَلَتْ عَلَيَّ بَلِيَّةٌ رَكِبْتُ مَرْكَبَ الصَّبْرِ، وَإِذَا نَزَلَ عَلَيَّ نِعْمَةٌ رَكِبْتُ مَرْكَبَ الشُّكْرِ وَإِذَا نَزَلَ بِيَ الْقَضَاءُ رَكِبْتُ مَرْكَبَ الرِّضَا، وَإِذَا دَعَتْنِي النَّفْسُ إِلَى شَيْءٍ عَلِمْتُ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الْعُمُرِ أَقَلُّ مِمَّا مَضَى فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: سِرْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَأَنْتَ الرَّاكِبُ وَأَنَا الرَّاجِلُ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: الْإِسْلَامُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقُرْآنُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بَدَلٌ مِنَ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّقْدِيرُ اهْدِنَا صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَمَنْ تَقَدَّمَنَا مِنَ الْأُمَمِ/ مَا كَانَ لَهُمُ الْقُرْآنُ وَالْإِسْلَامُ، وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ اهْدِنَا صِرَاطَ الْمُحِقِّينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ الصِّرَاطَ وَلَمْ يَقُلِ السَّبِيلَ وَلَا الطَّرِيقَ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ وَاحِدًا لِيَكُونَ لَفْظُ الصِّرَاطِ مُذَكِّرًا لِصِرَاطِ جَهَنَّمَ فَيَكُونُ الْإِنْسَانُ عَلَى مَزِيدِ خَوْفٍ وَخَشْيَةٍ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ اهْدِنَا: أَيْ ثَبِّتْنَا عَلَى الْهِدَايَةِ الَّتِي وَهَبْتَهَا مِنَّا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا لَا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا [آلِ عِمْرَانَ: 8] أَيْ ثَبِّتْنَا عَلَى الْهِدَايَةِ فَكَمْ مِنْ عَالِمٍ وَقَعَتْ لَهُ شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ فِي خَاطِرِهِ فَزَاغَ وَذَلَّ وَانْحَرَفَ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ قَالَ اهْدِنَا وَلَمْ يَقُلْ اهْدِنِي؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الدُّعَاءَ كُلَّمَا كَانَ أَعَمَّ كَانَ إِلَى الْإِجَابَةِ أَقْرَبُ. كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يقول لتلامذته: إذ قَرَأْتُمْ فِي خُطْبَةِ السَّابِقِ «وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَعَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» إِنْ نَوَيْتَنِي فِي قَوْلِكَ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ» فَحَسَنٌ، وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ، وَلَكِنْ إِيَّاكَ وَأَنْ تَنْسَانِي فِي قَوْلِكَ «وَعَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» لِأَنَّ قَوْلَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ تَخْصِيصٌ بِالدُّعَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يُقْبَلَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِجَابَةَ، وَإِذَا أَجَابَ اللَّهُ الدُّعَاءَ فِي الْبَعْضِ فَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الْبَاقِي، وَلِهَذَا السَّبَبِ فَإِنَّ السُّنَّةَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ دُعَاءً أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّلًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُو ثُمَّ يَخْتِمُ الْكَلَامَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجِيبُ الدَّاعِيَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِذَا أُجِيبَ فِي طَرَفَيْ دُعَائِهِ امْتَنَعَ أَنْ يُرَدَّ فِي وَسَطِهِ.
الثَّانِي:
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ادْعُوا اللَّهَ بِأَلْسِنَةٍ مَا عَصَيْتُمُوهُ بِهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ لَنَا بِتِلْكَ الْأَلْسِنَةِ، قَالَ يَدْعُو بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، لِأَنَّكَ مَا عَصَيْتَ بِلَسَانِهِ وَهُوَ مَا عَصَى بِلِسَانِكَ.
وَالثَّالِثُ: كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ، أَلَسْتَ قُلْتَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَمَا قُلْتَ أَحْمَدُ اللَّهَ فَذَكَرْتَ أَوَّلًا حَمْدَ جَمِيعِ الْحَامِدِينَ فَكَذَلِكَ فِي وَقْتِ الدُّعَاءِ أَشْرِكْهُمْ فَقُلِ اهْدِنَا.
الرَّابِعُ: كَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَكَ يَقُولُ: الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ، فَلَمَّا أَرَدْتُ تَحْمِيدَكَ ذَكَرْتُ حَمْدَ الْجَمِيعِ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَمَّا ذَكَرْتُ الْعِبَادَةَ ذَكَرْتُ عِبَادَةَ الْجَمِيعِ فَقُلْتُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَمَّا ذَكَرْتُ الِاسْتِعَانَةَ ذَكَرْتُ اسْتِعَانَةَ الْجَمِيعِ فَقُلْتُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فَلَا جَرَمَ لَمَّا طَلَبْتُ الْهِدَايَةَ طَلَبْتُهَا لِلْجَمِيعِ فَقُلْتُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمَّا طَلَبْتُ الِاقْتِدَاءَ بِالصَّالِحِينَ طَلَبْتُ الِاقْتِدَاءَ بِالْجَمِيعِ فَقُلْتُ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وَلَمَّا طَلَبْتُ الْفِرَارَ مِنَ الْمَرْدُودِينَ فَرَرْتُ مِنَ الْكُلِّ فَقُلْتُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فَلَمَّا لَمْ أفارق

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 219
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست