responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 201
الْحَقُّ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَحْرُسُهُ مِنَ الْآفَاتِ، وَيَصُونُهُ مِنَ الْمُخَافَاتِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ زَجَّ أَوَّلَ اللَّيْلِ فِي أَنْوَاعِ الْمَحْظُورَاتِ وَأَقْسَامِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ، فَمَا أَكْبَرَ هَذِهِ التَّرْبِيَةَ وَمَا أَحْسَنَهَا، أَلَيْسَ مِنَ التَّرْبِيَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْآدَمِيُّ بُنْيَانُ الرَّبِّ، مَلْعُونٌ مَنْ هَدَمَ بُنْيَانَ الرَّبِّ» ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ تَعَالَى: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ [الْأَنْبِيَاءِ: 42] مَا ذَاكَ إِلَّا الْمَلِكُ الْجَبَّارُ، وَالْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، وَالْمُطَّلِعُ عَلَى الضَّمَائِرِ وَالْأَسْرَارِ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ: إِنَّمَا يَكُونُ تَعَالَى رَبًّا لِلْعَالَمِينَ وَمُرَبِّيًا لَهُمْ لَوْ كَانَ مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ دَافِعًا لِلْمَضَارِّ عَنْهُمْ، أَمَّا إِذَا خَلَقَ الْكُفْرَ فِي الْكَافِرِ ثُمَّ يُعَذِّبُهُ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ رَبًّا وَلَا مُرَبِّيًا، بَلْ كَانَ ضَارًّا وَمُؤْذِيًا، وَقَالَتِ الْجَبْرِيَّةُ: إِنَّمَا سَيَكُونُ رَبًّا وَمُرَبِّيًا لَوْ كَانَتِ النِّعْمَةُ صَادِرَةٌ مِنْهُ وَالْأَلْطَافُ فَائِضَةٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ أَعْظَمَ النِّعَمِ وَأَجَلَّهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُصُولُهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِيَكُونَ رَبًّا لِلْعَالَمِينَ إِلَيْهِمْ مُحْسِنًا بِخَلْقِ الْإِيمَانِ فِيهِمْ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُنَا: «اللَّهُ» أَشْرَفُ مِنْ قَوْلِنَا: «رَبِّ» عَلَى مَا بَيَّنَّا ذَلِكَ بِالْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ فِي تَفْسِيرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّ الدَّاعِيَ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَالسَّبَبُ فِيهِ النُّكَتُ وَالْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَفْسِيرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نُعِيدُهَا.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، وفيه فوائد:
تفسير (الرحمن الرحيم) :
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: الرَّحْمَنُ: هُوَ الْمُنْعِمُ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُ جِنْسِهِ مِنَ الْعِبَادِ، وَالرَّحِيمُ: هُوَ الْمُنْعِمُ بِمَا يُتَصَوَّرُ جِنْسُهُ مِنَ الْعِبَادِ، حُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ ضَيْفًا لِبَعْضِ الْقَوْمِ فَقَدَّمَ الْمَائِدَةَ، فَنَزَلَ غُرَابٌ وَسَلَبَ رَغِيفًا، فَاتَّبَعْتُهُ تَعَجُّبًا، فَنَزَلَ فِي بَعْضِ التِّلَالِ، وَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُقَيَّدٍ مَشْدُودِ الْيَدَيْنِ فَأَلْقَى الْغُرَابُ ذَلِكَ الرَّغِيفَ عَلَى وَجْهِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ ذِي النُّونِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي الْبَيْتِ إِذْ وَقَعَتْ وَلْوَلَةٌ فِي قَلْبِي، وَصِرْتُ بِحَيْثُ مَا مَلَكْتُ نَفْسِيَ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ وَانْتَهَيْتُ إِلَى شَطِّ النِّيلِ، فَرَأَيْتُ عَقْرَبًا قَوِيًّا يَعْدُو فَتَبِعْتُهُ فَوَصَلَ إِلَى طَرَفِ النِّيلِ فَرَأَيْتُ ضُفْدَعًا وَاقِفًا عَلَى طَرَفٍ الْوَادِي، فَوَثَبَ الْعَقْرَبُ عَلَى ظَهْرِ الضُّفْدَعِ وَأَخَذَ الضُّفْدَعُ يَسْبَحُ وَيَذْهَبُ، فَرَكِبْتُ السَّفِينَةَ وَتَبِعْتُهُ فَوَصَلَ الضُّفْدَعُ إِلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنَ النِّيلِ، وَنَزَلَ الْعَقْرَبُ مِنْ ظَهْرِهِ، وَأَخَذَ يَعْدُو فَتَبِعْتُهُ، فَرَأَيْتُ شَابًّا نَائِمًا تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَرَأَيْتُ أَفْعَى يَقْصِدُهُ فَلَمَّا قَرُبَتِ الْأَفْعَى مِنْ ذَلِكَ الشَّابِّ وَصَلَ الْعَقْرَبُ إِلَى الْأَفْعَى فَوَثَبَ الْعَقْرَبُ عَلَى الْأَفْعَى فَلَدَغَهُ، وَالْأَفْعَى أَيْضًا لدغ العقرب، فماتا معاً، وسلم ذلك الْإِنْسَانُ مِنْهُمَا.
وَيُحْكَى أَنَّ وَلَدَ الْغُرَابِ كَمَا يَخْرُجُ مِنْ قِشْرِ الْبَيْضَةِ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ رِيشٍ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ لَحْمٍ أَحْمَرَ، وَالْغُرَابُ يَفِرُّ مِنْهُ وَلَا يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْبَعُوضَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ قِطْعَةَ لَحْمٍ مَيِّتٍ، فَإِذَا وَصَلَتِ الْبَعُوضُ إِلَيْهِ الْتَقَمَ تِلْكَ الْبَعُوضَ وَاغْتَذَى بِهَا، وَلَا يَزَالُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ إِلَى أَنْ يَقْوَى وَيَنْبُتُ رِيشُهُ وَيَخْفَى لَحْمُهُ تَحْتَ رِيشِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَعُودُ أُمُّهُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 201
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست