اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 383
{50 - 60} {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} .
إلى آخر القصة [1] أي: {وَ} أرسلنا {إِلَى عَادٍ} وهم القبيلة المعروفة في الأحقاف، من أرض اليمن، {أَخَاهُمْ} في النسب {هُودًا} ليتمكنوا من الأخذ عنه والعلم بصدقه.
فـ {قَالَ} لهم {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ} أي: أمرهم بعبادة الله وحده، ونهاهم عما هم عليه، من عبادة غير الله، وأخبرهم أنهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره، وتجويزهم لذلك، ووضح لهم وجوب عبادة الله، وفساد عبادة ما سواه.
ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي: غرامة من أموالكم، على ما دعوتكم إليه، فتقولوا: هذا يريد أن يأخذ أموالنا، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجانا.
{إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ} ما أدعوكم إليه، وأنه موجب لقبوله، منتف المانع عن رده.
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} عما مضى منكم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} فيما تستقبلونه، بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله تعالى.
فإنكم إذا فعلتم ذلك {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} بكثرة الأمطار التي تخصب بها الأرض، ويكثر خيرها.
{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} فإنهم كانوا من أقوى الناس، ولهذا قالوا: {من أشد منا قوة} ؟ ، فوعدهم أنهم إن آمنوا، زادهم قوة إلى قوتهم.
{وَلا تَتَوَلَّوْا} عنه، أي: عن ربكم {مُجْرِمِينَ} أي: مستكبرين عن عبادته، متجرئين على محارمه.
فـ {قَالُوا} رادين لقوله: {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} إن كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها، فهذه غير لازمة للحق، بل اللازم أن يأتي النبي بآية تدل على صحة ما جاء به، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة، تشهد لما قاله بالصحة، فقد كذبوا في ذلك، فإنه ما جاء نبي لقومه، إلا وبعث الله على يديه، من الآيات ما يؤمن على مثله البشر.
ولو لم يكن له آية، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله، وحده لا شريك له، والأمر بكل عمل صالح، وخلق جميل، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله، والفواحش، والظلم، وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتمل عليه هود، عليه السلام، من الصفات، التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم، لكفى بها آيات وأدلة، على صدقه.
بل أهل العقول، وأولو الألباب، يرون أن هذه الآية، أكبر من مجرد الخوارق، التي يراها بعض الناس، هي المعجزات فقط. ومن آياته، وبيناته الدالة على صدقه، أنه شخص واحد، ليس له أنصار ولا أعوان، وهو يصرخ في قومه، ويناديهم، ويعجزهم، ويقول لهم: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ}
{إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} وهم الأعداء الذين لهم السطوة والغلبة، ويريدون إطفاء ما معه من النور، بأي طريق كان، وهو غير مكترث منهم، ولا مبال بهم، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.
وقولهم: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} -[384]- أي: لا نترك عبادة آلهتنا لمجرد قولك، الذي ما أقمت عليه بينة بزعمهم، {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} وهذا تأييس منهم لنبيهم، هود عليه السلام، في إيمانهم، وأنهم لا يزالون في كفرهم يعمهون. [1] في ب: ذكر الآيات كاملة إلى قوله تعالى: " ألا بعدا لعاد قوم هود ".
اسم الکتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن المؤلف : السعدي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 383