اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ت شاكر المؤلف : الطبري، أبو جعفر الجزء : 1 صفحة : 16
بل الصواب في ذلك عندنا: أن يسمَّى: عربيًّا أعجميًّا، أو حبشيًّا عربيًّا، إذ كانت الأمّتان له مستعملتين -في بيانها ومنطقها- استعمالَ سائر منطقها وبيانها. فليس غيرُ ذلك من كلام كلّ أمة منهما، بأولى أن يكون إليها منسوبًا- منه [1] .
فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيها وفي معناها، ووُجد ذلك مستعملا في كل جنس منها استعمالَ سائرِ منطقهم، فسبيلُ إضافته إلى كل جنس منها، سبيلُ ما وصفنا -من الدرهم والدينار والدواة والقلم، التي اتفقت ألسن الفرس والعرب فيها بالألفاظ الواحدة والمعنى الواحد، في أنه مستحقٌّ إضافته إلى كل جنس من تلك الأجناس- اجتماعٌ واقترانٌ [2] .
وذلك هو معنى من روينا عنه القولَ في الأحرف التي مضت في صدر هذا الباب، من نسبة بعضهم بعضَ ذلك إلى لسان الحبشة، ونسبة بعضهم بعضَ ذلك إلى لسان الفرس، ونسبة بعضهم بعضَ ذلك إلى لسان الروم. لأنّ من نسب شيئًا من ذلك إلى ما نسبه إليه، لم ينفِ -بنسبته إياه إلى ما نسبه إليه- أن يكون عربيًّا، ولا من قال منهم: هو عربيّ، نفى ذلك أن يكون مستحقًّا النسبةَ إلى من هو من كلامه من سائر أجناس الأمم غيرها. وإنما يكون الإثبات دليلا على النفي، فيما لا يجوز اجتماعه من المعاني، كقول القائل: فلان قائم، فيكون بذلك من قوله دالا على أنه غير قاعد، ونحو ذلك مما يمتنع اجتماعه لتنافيهما. فأمّا ما جاز اجتماعه فهو خارج من هذا المعنى. وذلك كقول القائل فلان قائم مكلِّمٌ فلانًا، فليس في تثبيت القيام له ما دلَّ على نفي كلام آخر، [1] قوله "منه"، متعلق بقوله "بأولى"، أي "بأولى منه.." [2] في المطبوعة "باجتماع وافتراق". وأراد الطبري بقوله "اجتماع واقتران" أي أن يقال هو: "عربي أعجمي، أو حبشي عربي"، كما مر آنفا في كلامه. وسياق عبارته بعد حذف التفسير والاعتراض من كلامه هو هذا: "فسبيل إضافته إلى كل جنس منها، سبيل ما وصفنا.. اجتماع واقتران". أي أن يجمع بين الوصفين أو يقرن بين النسبتين.
ويعني بقوله: (إلا على الخاشعين) : إلا على الخاضعين لطاعته، الخائفين سطواته، المصدقين بوعده ووعيده. كما:-
856- حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (إلا على الخاشعين) يعني المصدقين بما أنزل الله.
857- وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: (إلا على الخاشعين) قال: يعني الخائفين.
858- وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان، عن جابر، عن مجاهد: (إلا على الخاشعين) قال: المؤمنين حقا. (1)
859- وحدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
860- وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الخشوع: الخوف والخشية لله. وقرأ قول الله: (خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ) [الشورى: 45] قال: قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم، وخشعوا له.
* * * [1] الأثر: 858 - محمد بن عمرو، هو: محمد بن عمرو بن العباس، أبو بكر الباهلي، وهو من شيوخ الطبري الثقات، أكثر من الرواية عنه، مات سنة 249. وله ترجمة في تاريخ بغداد 3: 127. و"أبو عاصم": هو النبيل، الضحاك بن مخلد. و"سفيان": هو الثوري. و"جابر": هو ابن يزيد الجعفي.
وهكذا جاء هذا الإسناد في هذا الموضع في المخطوطة. ووقع في المطبوعة"محمد بن جعفر" بدل"محمد بن عمرو"، وهو خطأ لا شك فيه.
إنما الشبهة هنا: أن هذا الإسناد"أبو عاصم، عن سفيان، عن جابر" _ يرويه الطبري في أكثر المواضع"عن محمد بن بشار"، عن أبي عاصم. وأما روايته عن"محمد بن عمرو"، فإنما هي لإسناد "أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد". والأمر قريب، ولعله روى هذا وذاك.
وكنتُ أحبُّ أن أبيّن ما انفردَ به الطبريّ من القول في تأويل بعض الآياتِ، وأشرح ما أَغْفَله المفسّرون غيرُه، ولكني خفتُ أن يكونَ ذلك سببًا في زيادة الكتاب طولا على طوله؛ مع أني أَرَى أن هذا أمرٌ يكشف عن كتاب الطبري، ويزيدنا معرفة بالطبري المفسّر، وبمنهجه الذي اشتقّه في التفسير، ولم اختلف المفسّرون من بعده، فأغفلوا ما حرصَ هو على بيانه؟
وكنتُ أحبُّ أيضًا أن أُسَهِّل على قارئ كتابه، فأجعل في آخرِ الآياتِ المتتابعة التي انتهى من تفسيرها، مُلَخَّصًا يجمَعُ ما تفرَّق في عشراتٍ من الصفحاتِ. وذلك أني رأيتُ نفسي قديمًا، ورأيت المفسِّرين الذين نقلوا عَنْهُ، كانوا يقرأون القطعة من التفسير مفصولةً عمَّا قبلها، أو كانوا يقرأونه متفرِّقًا. وهذه القراءةُ، كما تبيِّن لي، كانتْ سببًا في كثيرٍ من الخَلْط في معرفة مُرَادِ الطبري، وفي نسبة أقوالٍ إليه لم يقلْها. لأنَّه لما خاف التكرار لطول الكتابِ، اقتصَر في بعض المواضِع على ما لاَ بُدَّ منه، ثقَةً منه بأنّه قد أبان فيما مضى من كتابه عن نهجه في تفسير الآيات المتصلة المعاني. والقارئ الملتمِس لمعنى آيةٍ من الآياتِ، ربَّما غَفَل عن هذا الترابُط بين الآية التي يقرؤها، والآيات التي سبقَ للطبري فيها بيانٌ يتّصل كل الاتصال ببيانه عن هذه الآية. ولكني حين بدأت أفعل ذلك، وجدت الأمر شاقًا عسيرًا، وأنه يحتاجُ إِلى تكرار بعضِ ما مضى، وإلى إِطالةٍ في البيانِ. وهذا شيءٌ يزيدُ التفسيرَ طولا وضخامة.
ولمَّا رأيتُ أن كثيرًا من العلماء كان يعيبُ على الطبري أنه حشَدَ في كتابِهِ كثيرًا من الرواية عن السالفين، الذين قرأوا الكُتُب، وذكروا في معاني القرآنِ ما ذكروا من الرواية عن أهل الكتابَيْن السالِفَيْن: التَّوراة والإنجيل - أحببتُ أن أكشف عن طريقة الطبري في الاستدلال بهذه الرواياتِ روايةً روايةً، وأبيّن كيف أخطأ الناسُ في فهم مقصده، وأنّه لم يَجْعل هذه الروايات قطُّ مهيمنةً على كتاب الله الذي لاَ يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه. وأحببتُ أن أبيّن عند كُلِّ روايةٍ مقالة الطبريّ في إِسنادِها، وأنه إسنادٌ لاَ تقوم به حُجَّةٌ في دين الله، ولا في تفسير كتابه،
اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ت شاكر المؤلف : الطبري، أبو جعفر الجزء : 1 صفحة : 16