responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 718
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ، قَالَ: ثنا بِشْرٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " فِي قَوْلِهِ: {§وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] قَالَ: قُولُوا هَذَا الْأَمْرُ حَقٌّ كَمَا قِيلَ لَكُمْ " وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ رُفِعَتِ الْحِطَّةُ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: رُفِعَتِ الْحِطَّةُ بِمَعْنَى قُولُوا لِيَكُنْ مِنْكُمْ حِطَّةٌ لِذُنُوبِنَا، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ سَمْعُكَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هِيَ كَلِمَةٌ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقُولُوهَا مَرْفُوعَةً، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ قِيلَهَا كَذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: رُفِعَتِ الْحِطَّةُ بِضَمِيرِ هَذِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَقُولُوا هَذِهِ حِطَّةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هِيَ مَرْفُوعَةٌ بِضَمِيرٍ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ، كَأَنَّهُ قَالَ: قُولُوا مَا هُوَ -[719]- حِطَّةٌ، فَتَكُونُ حِطَّةٌ حِينَئِذٍ خَبَرًا لِـ: مَا. وَالَّذِي هُوَ أَقْرَبُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ وَأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ، أَنْ يَكُونَ رَفَعَ حِطَّةً بِنِيَّةِ خَبَرٍ مَحْذُوفٍ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التِّلَاوَةِ، وَهُوَ دُخُولُنَا الْبَابَ سُجَّدًا حِطَّةً، فَكَفَى مِنْ تَكْرِيرِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ مِنَ التَّنْزِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة: 58] كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف: 164] يَعْنِي مَوْعِظَتُنَا إِيَّاهُمْ مَعْذِرَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ. فَكَذَلِكَ عِنْدِي تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] يَعْنِي بِذَلِكَ: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} [البقرة: 58] {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا} [البقرة: 58] دُخُولُنَا ذَلِكَ سُجَّدًا {حِطَّةٌ} [البقرة: 58] لِذُنُوبِنَا، وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى نَحْوِ تَأْوِيلِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنِ زَيْدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِ عِكْرِمَةَ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ فِي حِطَّةٌ، لِأَنَّ الْقَوْمَ إِنْ كَانُوا أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ أَنْ يَقُولُوا: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، فَقَدْ قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا هَذَا الْقَوْلَ، فَقُولُوا وَاقِعٌ حِينَئِذٍ عَلَى الْحِطَّةِ، لِأَنَّ الْحِطَّةَ عَلَى قَوْلِ عِكْرِمَةَ هِيَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِذْ كَانَتْ هِيَ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَالْقَوْلُ عَلَيْهَا وَاقِعٌ، كَمَا لَوْ أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا بِقَوْلِ الْخَيْرِ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ خَيْرًا، نَصْبًا، وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا أَنْ يَقُولَ لَهُ قُلْ خَيْرٌ إِلَّا عَلَى اسْتِكْرَاهٍ شَدِيدُ. -[720]- وَفِي إِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى رَفْعِ الْحِطَّةِ بَيَانٌ وَاضِحٌ عَلَى خِلَافِ الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَةُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] وَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي حِطَّةٌ نَصْبًا، لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا وَضَعُوا الْمَصَادِرَ مَوَاضِعَ الْأَفْعَالِ وَحَذَفُوا الْأَفْعَالَ أَنْ يَنْصُبُوا الْمَصَادِرَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبِيدُوا بِأَيْدِي عُصْبَةٍ وَسُيُوفُهُمْ ... عَلَى أُمَّهَاتِ الْهَامِ ضَرْبًا شَآمِيَا
وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلرَّجُلِ: سَمْعًا وَطَاعَةً، بِمَعْنَى: أَسْمَعُ سَمْعًا وَأَطِيعُ طَاعَةً، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف: 23] بِمَعْنَى. نَعُوذُ بِاللَّهِ

اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 718
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست