responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 611
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ذُكِرَ أَنَّ أَحْبَارَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَلَا يَفْعَلُونَهُ؛ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَإِيتَاءِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ مَعَهُمْ وَأَنْ يَخْضَعُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا خَضَعُوا

كَمَا حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ: " فِي قَوْلِهِ: {§وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] قَالَ: فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ، فَأَدُّوهُمَا إِلَى اللَّهِ " وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ أَمَّا إِيتَاءُ الزَّكَاةِ: فَهُوَ أَدَاءُ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ وَأَصْلُ الزَّكَاةِ: نَمَاءُ الْمَالِ وَتَثْمِيرُهُ وَزِيَادَتُهُ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ: زَكَا الزَّرْعُ: إِذَا كَثُرَ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهُ؛ وَزَكَتِ النَّفَقَةُ: إِذَا كَثُرَتْ. وَقِيلَ: زَكَا الْفَرْدُ، إِذَا صَارَ زَوْجًا بِزِيَادَةِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ بِهِ شَفْعًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ -[612]-:
[البحر البسيط]
كَانُوا خَسًا أَوْ زَكًا مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ ... لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلِجُ
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الرجز]
فَلَا خَسَا عَدِيدُهُ وَلَا زَكَا ... كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: السَّفَا: شَوْكُ الْبُهْمَى، وَالْبُهْمَى: الَّذِي يَكُونُ مُدَوَّرًا فِي السُّلَّاءِ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: وَلَا زَكَا لَمْ يُصَيِّرْهِمْ شَفْعًا مِنْ وِتْرٍ بِحُدُوثِهِ فِيهِمْ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلزَّكَاةِ زَكَاةٌ وَهِيَ مَالٌ يَخْرُجُ مِنْ مَالٍ لِتَثْمِيرِ اللَّهِ بِإِخْرَاجِهَا مِمَّا أُخْرِجَتْ مِنْهُ مَا بَقِيَ عِنْدَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ مَالِهِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ زَكَاةً لِأَنَّهَا تَطْهِيرٌ لِمَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ، وَتَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَظْلَمَةٌ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [الكهف: 74] يَعْنِي بَرِيئَةً مِنَ الذُّنُوبِ طَاهِرَةً، وَكَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: هُوَ عَدْلٌ زَكِيٌّ لِذَلِكَ الْمَعْنَى. وَهَذَا الْوَجْهُ أَعْجَبُ إِلَيَّ فِي تَأْوِيلِ زَكَاةِ الْمَالِ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، -[613]- وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَقْبُولًا فِي تَأْوِيلِهَا. وَإِيتَاؤُهَا: إِعْطَاؤُهَا أَهْلَهَا وَأَمَّا تَأْوِيلُ الرُّكُوعِ: فَهُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَكَعَ فُلَانٌ لِكَذَا وَكَذَا: إِذَا خَضَعَ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط]
بِيعَتْ بِكَسْرِ لَئِيْمٍ وَاسْتَغَاثَ بِهَا ... مِنَ الْهُزَالِ أَبُوهَا بَعْدَ مَا رَكَعَا
يَعْنِي: بَعْدَمَا خَضَعَ مِنْ شِدَّةِ الْجَهْدِ وَالْحَاجَةِ. وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُنَافِقِيهَا بِالْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَبِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالدُّخُولِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْخُضُوعِ لَهُ بِالطَّاعَةِ. وَنَهْيٌ مِنْهُ لَهُمْ عَنْ كِتْمَانِ مَا قَدْ عَلِمُوهُ مِنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ تَظَاهُرِ حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ بِمَا قَدْ وَصَفْنَا قَبْلُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَبَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ وَالْإِنْذَارِ، وَبَعْدَ تَذْكِيرِهِمْ نِعَمَهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى أَسْلَافِهِمْ تَعَطُّفًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَإِبْلَاغًا إِلَيْهِمْ فِي الْمَعْذِرَةِ

اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 611
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست