responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 589
بِعَيْنٍ مَا أَرَيَنَّكَ، بِمَعْنَى الْجَحْدِ، وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ لِلْكَلَامِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ حَشْوٌ فِي الْكَلَامِ، وَمَعْنَاهَا الْحَذْفُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: بِعَيْنٍ أَرَاكَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُجْعَلَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْهُدَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْبَيَانُ وَالرَّشَادُ

كَمَا حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمَ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: " فِي قَوْلِهِ: {§فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} [البقرة: 38] قَالَ: الْهُدَى: الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ وَالْبَيَانُ " فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ، فَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: {اهْبِطُوا} [البقرة: 36] وَإِنْ كَانَ لِآدَمَ وَزَوْجَتِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ آدَمُ وَزَوْجَتُهُ وَذُرِّيَتِهِمَا. فَيَكُونُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ نَظِيرَ قَوْلِهِ: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] بِمَعْنَى أَتَيْنَا بِمَا فِينَا مِنَ الْخَلْقِ طَائِعِينَ. وَنَظِيرَ قَوْلِهِ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِهِمْ مَنَاسِكَهُمْ» فَجَمَعَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ ذُرِّيَّةٌ، وَهُوَ فِي قِرَاءَتِنَا: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] وَكَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِآخَرَ: كَأَنَّكَ قَدْ تَزَوَّجْتَ وَوُلِدَ لَكَ وَكَثُرْتُمْ وَعُزِّزْتُمْ. وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ. -[590]- وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ؛ لِأَنَّ آدَمَ كَانَ هُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَالرَّسُولَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى وَلَدِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا وَهُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} [البقرة: 38] خِطَابًا لَهُ وَلِزَوْجَتِهِ: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى أَنْبِيَاءُ وَرُسُلٌ إِلَّا عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنَ التَّأْوِيلِ. وَقَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنَ التَّأْوِيلِ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، فَأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ مِنْهُ عِنْدِي وَأَشْبَهُ بِظَاهِرِ التِّلَاوَةِ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهَا: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي يَا مَعْشَرَ مَنْ أَهْبَطْتُهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ سَمَائِي، وَهُوَ آدَمُ وَزَوْجَتُهُ وَإِبْلِيسُ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي بَيَانٌ مِنْ أَمْرِي وَطَاعَتِي وَرَشَادٌ إِلَى سَبِيلِي وَدِينِي، فَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْكُمْ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَفَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَيَّ مَعْصِيَةٌ وَخِلَافٌ لِأَمْرِي وَطَاعَتِي. يُعَرِّفُهُمْ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ التَّائِبُ عَلَى مَنْ تَابَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ وَالرَّحِيمُ لِمَنْ أَنَابَ إِلَيْهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37] وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْخِطَابِ بِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة: 38] وَالَّذِينَ خُوطِبُوا بِهِ هُمْ مَنْ سَمَّيْنَا فِي قَوْلِ الْحُجَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ قَدْ قَدَّمْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ لِمَنْ أُهْبِطَ حِينَئِذٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، فَهُوَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَتَعْرِيفٌ مِنْهُ بِذَلِكَ -[591]- لِلَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] وَفِي قَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] وَأَنَّ حُكْمَهُ فِيهِمْ إِنْ تَابُوا إِلَيْهِ وَأَنَابُوا وَاتَّبَعُوا مَا أَتَاهُمْ مِنَ الْبَيَانِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِمَّنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَأَنَّهُمْ إِنْ هَلَكُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ قَبْلَ الْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَةِ، كَانُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة: 38] يَعْنِي فَمَنِ اتَّبَعَ بَيَانِي الَّذِي أُبَيِّنُهُ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِي أَوْ مَعَ رُسُلِي

اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 589
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست