responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 402
تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23] يَعْنِي بِذَلِكَ: إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ فِي صِدْقِ مُحَمَّدٍ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَلْيَسْتَنْصِرْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي زَعْمِكُمْ؛ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِذَا عَجَزْتُمْ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنَ الْبَشَرِ أَحَدٌ، وَيَصِحُّ عِنْدَكُمْ أَنَّهُ تَنْزِيلِي وَوَحْيِي إِلَى عَبْدِي

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] إِنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَقَدْ تَظَاهَرْتُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ عَلَيْهِ وَأَعْوَانُكُمْ فَتَبَيَّنَ لَكُمْ بِامْتِحَانِكُمْ وَاخْتِبَارِكُمْ عَجْزُكُمْ وَعَجْزُ جَمِيعِ خَلْقِي عَنْهُ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي، ثُمَّ أَقَمْتُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] أَيْ لَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أَبَدًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «شُهَدَاءَكُمْ عَلَيْهَا إِذَا أَتَيْتُمْ بِهَا أَنَّهَا مِثْلُهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ» وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ لِمَنْ شَكَّ مِنَ الْكُفَّارِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: {وَادْعُوا} [البقرة: 23] يَعْنِي اسْتَنْصِرُوا وَاسْتَعِينُوا. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
فَلَمَّا الْتَقَتْ فُرْسَانُنَا وَرِجَالُهُمْ ... دَعُوا يَا لَكَعْبٍ وَاعْتَزَيْنَا لِعَامِرِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: دَعُوا يَا لَكَعْبٍ: اسْتَنْصَرُوا كَعْبًا وَاسْتَعَانُوا بِهِمْ وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَإِنَّهَا جَمْعُ شَهِيدٍ، كَالشُّرَكَاءِ جَمْعُ شَرِيكٍ، وَالْخُطَبَاءُ جَمْعُ خَطِيبٍ. وَالشَّهِيدُ يُسَمَّى بِهِ الشَّاهِدُ عَلَى الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ بِمَا يُحَقِّقُ دَعْوَاهُ، وَقَدْ يُسَمَّى بِهِ الْمَشَاهِدُ لِلشَّيْءِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ جَلِيسُ فُلَانٍ، يَعْنِي بِهِ مُجَالِسُهُ، وَنَدِيمُهُ يَعْنِي بِهِ مُنَادَمَهُ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: شَهِيدُهُ يَعْنِي بِهِ مُشَاهِدَهُ. فَإِذَا كَانَتِ الشُّهَدَاءُ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ جَمْعَ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ مُنْصَرِفٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ، فَأَوْلَى وَجْهَيْهِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَاسْتَنْصِرُوا عَلَى أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أَعْوَانَكُمْ وَشُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يُشَاهِدُونَكُمْ وَيُعَاوِنُونَكُمْ عَلَى تَكْذِيبِكُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُظَاهِرُونَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَنِفَاقِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ فِي جُحُودِكُمْ أَنَّ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِلَاقٌ وَافْتِرَاءٌ، لِتَمْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ وَغَيْرَكُمْ: هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَيَقْدِرُ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ اخْتِلَاقًا؟ وَأَمَّا مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْنَافًا ثَلَاثَةً: أَهْلُ إِيمَانٍ صَحِيحٍ، وَأَهْلُ كُفْرٍ صَحِيحٍ، وَأَهْلُ نِفَاقٍ بَيْنَ ذَلِكَ. فَأَهْلُ الْإِيمَانِ كَانُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُؤْمِنِينَ، فَكَانَ مِنَ الْمِحَالِ أَنْ يَدَّعِيَ الْكُفَّارُ أَنَّ لَهُمْ شُهَدَاءَ، عَلَى حَقِيقَةِ مَا كَانُوا يَأْتُونَ بِهِ لَوْ أَتَوْا بِاخْتِلَاقٍ مِنَ الرِّسَالَةِ، ثُمَّ ادَّعَوْا أَنَّهُ لِلْقُرْآنِ نَظِيرٌ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَأَمَّا أَهْلُ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَوْ دُعُوا إِلَى تَحْقِيقِ الْبَاطِلِ وَإِبْطَالِ الْحَقِّ لَسَارَعُوا إِلَيْهِ مَعَ كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، فَمِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ كَانَتْ تَكُونُ شُهَدَاؤُكُمْ لَوِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ قَدْ أَتَوْا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ؟ وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مِثْلَ الْقُرْآنِ لَا يَأْتِي بِهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَلَوْ تَظَاهَرُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ؛ وَتَحَدَّاهُمْ بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ لَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23] يَعْنِي بِذَلِكَ: إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ فِي صِدْقِ مُحَمَّدٍ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَلْيَسْتَنْصِرْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي زَعْمِكُمْ؛ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِذَا عَجَزْتُمْ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنَ الْبَشَرِ أَحَدٌ، وَيَصِحُّ عِنْدَكُمْ أَنَّهُ تَنْزِيلِي وَوَحْيِي إِلَى عَبْدِي.

وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {§فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] فَقَدْ بَيَّنَ لَكُمُ الْحَقَّ "

اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 402
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست