responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 115
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، §قُلْ أَسْتَعِيذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ -[116]- قَالَ: قُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِسْمِ اللَّهِ} [الفاتحة: 1] ، يَقُولُ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ بِذِكْرِ اللَّهِ رَبِّكِ، وَقُمْ وَاقْعُدْ بِذِكْرِ اللَّهِ " وَهَذَا التَّأْوِيلُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ يُرَادُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ مُفْتَتِحًا قِرَاءَتَهُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] : أَقْرَأُ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ، وَأُفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ، بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى وَفَسَادِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ قَائِلِهِ: بِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، مَعَ أَنَّ الْعِبَادَ إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَبْتَدِئُوا عِنْدَ فَوَاتِحِ أُمُورِهِمْ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ لَا بِالْخَبَرِ عَنْ عَظَمَتِهِ وَصِفَاتِهِ، كَالَّذِي أُمِرُوا بِهِ مِنَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ، وَعِنْدَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، وَسَائِرِ أَفْعَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ تِلَاوَةِ تَنْزِيلِ اللَّهِ وَصُدُورِ رَسَائِلِهِمْ وَكُتُبِهِمْ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ عِنْدَ تَذْكِيَتِهِ بَعْضَ بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ: بِاللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ {بِسْمِ اللَّهِ} [الفاتحة: 1] ، أَنَّهُ مُخَالِفٌ بِتَرْكِهِ قِيلَ {بِسْمِ اللَّهِ} [الفاتحة: 1] مَا سَنَّ لَهُ عِنْدَ التَّذْكِيَةِ مِنَ الْقَوْلِ. وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدَّ بِقَوْلِهِ {بِسْمِ اللَّهِ} [الفاتحة: 1] ، بِاللَّهِ كَمَا قَالَ الزَّاعِمُ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، هُوَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ عِنْدَ تَذْكِيَتِهِ ذَبِيحَتَهُ بِاللَّهِ قَائِلًا مَا سَنَّ لَهُ مِنَ الْقَوْلِ عَلَى -[117]- الذَّبِيحَةِ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ تَارِكٌ مَا سُنَّ لَهُ مِنَ الْقَوْلِ عَلَى ذَبِيحَتِهِ، إِذْ لَمْ يَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى فَسَادِ مَا ادَّعَى مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ {بِسْمِ اللَّهِ} [الفاتحة: 1] وَأَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ بِاللَّهِ، وَأَنَّ اسْمَ اللَّهِ هُوَ اللَّهُ. وَلَيْسَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِكْثَارِ فِي الْإِبَانَةِ عَنِ الِاسْمِ، أَهُوَ الْمُسَمَّى أَمْ غَيْرُهُ أَمْ هُوَ صِفَةٌ لَهُ؟ فَنُطِيلُ الْكِتَابَ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْضِعٌ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِبَانَةِ عَنِ الِاسْمِ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، أَهُوَ اسْمٌ أَمْ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِي بَيْتِ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
[البحر الطويل]
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ
فَقَدْ تَأَوَّلَهُ مُقْدِمٌ فِي الْعِلْمِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ: ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا، وَأَنَّ اسْمَ السَّلَامِ هُوَ السَّلَامُ. قِيلَ لَهُ: لَوْ جَازَ ذَلِكَ وَصَحَّ تَأْوِيلُهُ فِيهِ عَلَى مَا تَأَوَّلَ، لَجَازَ أَنْ يُقَالَ: رَأَيْتُ اسْمَ زَيْدٍ، وَأَكَلْتُ اسْمَ الطَّعَامِ، وَشَرِبْتُ اسْمَ الشَّرَابِ. وَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِ الْعَرَبِ عَلَى إِحَالَةِ ذَلِكَ مَا يُنْبِئُ عَنْ فَسَادِ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ لَبِيدٍ: ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا، أَنَّهُ أَرَادَ: ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا، وَادِّعَائُهُ أَنَّ إِدْخَالَ الِاسْمِ فِي ذَلِكَ وَإِضَافَتَهُ إِلَى -[118]- السَّلَامِ إِنَّمَا جَازَ، إِذَا كَانَ اسْمُ الْمُسَمَّى هُوَ الْمُسَمَّى بِعَيْنِهِ. وَيُسْأَلُ الْقَائِلُونَ قَوْلَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ هَذَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَتَسْتَجِيزُونَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُقَالَ: أَكَلْتُ اسْمَ الْعَسَلِ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَكَلْتُ الْعَسَلَ، كَمَا جَازَ عِنْدَكُمُ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكَ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ السَّلَامُ عَلَيْكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ خَرَجُوا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَأَجَازُوا فِي لُغَتِهَا مَا تُخَطِّئُهُ جَمِيعُ الْعَرَبِ فِي لُغَتِهَا. وَإِنَّ قَالُوا: لَا سُئِلُوا الْفَرَقَ بَيْنَهُمَا، فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ لَبِيدٍ هَذَا عِنْدَكَ؟ قِيلَ لَهُ: يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ، كِلَاهُمَا غَيْرُ الَّذِي قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ؛ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَبِيدٌ عَنَى بِقَوْلِهِ: ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا: ثُمَّ الْزَمَا اسْمَ اللَّهِ وَذِكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَدَعَا ذِكْرِيَ وَالْبُكَاءَ عَلَيَّ؛ عَلَى وَجْهِ الْإِغْرَاءِ. فَرُفِعَ الِاسْمُ، إِذَا أُخِّرَ الْحَرْفُ الَّذِي يَأْتِي بِمَعْنَى الْإِغْرَاءِ. وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ إِذَا أَخَّرَتِ الْإِغْرَاءَ وَقَدَّمَتَ الْمُغْرَى بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَنْصِبُ بِهِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز]
-[119]- يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا ... إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا
فَأَغْرَى بِدُونَكَ، وَهِيَ مُؤْخِرَةٌ؛ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: دُونَكَ دَلْوِي فَذَلِكَ قَوْلُ لَبِيدٍ:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا يَعْنِي: عَلَيْكُمَا اسْمُ السَّلَامِ، أَيِ الْزَمَا مَا ذَكَرَ اللَّهُ، وَدَعَا ذِكْرِيَ، وَالْوَجْدَ بِي؛ لِأَنَّ مَنْ بَكَى حَوْلًا عَلَى امْرِئٍ مَيِّتٍ فَقَدِ اعْتَذَرَ، فَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْهِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنْهُمَا: ثُمَّ تَسْمِيَتِي اللَّهَ عَلَيْكُمَا، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِلشَّيْءِ يَرَاهُ فَيُعْجِبُهُ: وَاسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ. يَعُوذُهُ بِذَلِكَ مِنَ السُّوءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكُمَا مِنَ السُّوءِ. وَكَأنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَشْبَهُ الْمَعْنَيَيْنِ بِقَوْلِ لَبِيدٍ. وَيُقَالُ لِمَنْ وَجَّهَ بَيْتَ لَبِيدٍ هَذَا إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا: أَتَرَى مَا قُلْنَا مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ جَائِزًا، أَوْ أَحَدَهُمَا، أَوْ غَيْرَ مَا قُلْتُ فِيهِ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا أَبَانَ مِقْدَارَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِتَصَارِيفِ وُجُوهِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَغْنَى خَصْمُهُ عَنْ مُنَاظَرَتِهِ. وَإِنَّ قَالَ: بَلَى قِيلَ لَهُ: فَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْتَ مِنَ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ الصَّوَابُ دُونَ الَّذِي ذَكَرْتُ أَنَّهُ مُحْتَمِلُهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يُلْزِمُنَا تَسْلِيمَهُ لَكَ؟ وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي

اسم الکتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 1  صفحة : 115
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست