اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 500
وإن النهي عن اتباع خطوات الشيطان له مغزاه ومعناه، ذلك أن الشيطان يجيء من الحلال الطيب الذي تشتهيه الأنفس فيخلطه بغيره، ويأخذ بالنفس التي تطيعه من طيب المال إلى سوئه، ويأخذهم من مشتبهات الحلال إلى الحرام، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات " [1]، فهو يجيئهم من هذه المشتبهات ومن أجل ذلك كان الأمر بالحلال قد اقترن به النهي عن تتبع خطوات الشيطان الآثمة لأنها تجيء على مقربة من الحلال.
وكذلك من تتبع خطوات الشيطان أن يحرم المباح على نفسه كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّه. . .)، ولقد أتي عبد الله بن مسعود بضرع وملح وجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم فقال: لَا أريد. فقال: أصائم أنت؟ قال: لَا. قال: فما شأنك؟ قال: حرمت أن آكل ضرعا أبدًا فقال ابن مسعود: " هذا من خطوات الشيطان " [2]، وكذلك كل تحريم للطيبات هو من خطوات الشيطان، فكان النهي عن اتباع الخطوات مقترنا بإباحة ما أحل الله تعالى؛ لأنه مخالفة لما قرره الشرع.
ولقد ذكر الله تعالى أن الشيطان لَا يكون منه خير قط، بل سوء وفحشاء، وما لَا يكون فطريا، فقال تعالى معللا النهي عن اتباع خطواته: [1] متفق عليه؛ أخرجه البخاري: كتاب الإيمان (50) ومسلم: كتاب المساقاة. (2996) عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه. [2] رواه البيهقي في السنن الكبرى (15339) ج 11 ص 259.
(إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). الأمر هنا من الشيطان هو الغواية القوية، كما قال مخاطبا ربه: (لأُغْوِيَنَّهمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). ولما كان أهل الغواية يطيعونه شبه بالأمر فعبر عنه بالأمر، والسوء: هو ما يسوء وتكون عاقبته السوءى، سواء أكانت السوءى في النفس، فتسوء الأنفس، أم كانت الإساءة للمجتمع، فالسوء هو ما يكون فيه فساد وهو ضد المصلحة التي يأمر بها الله تعالى، وإذا كان إغواء الشيطان بما يسوء خاصة وعامة بلا ريب يكون مقتا للنفس وللجماعة وللأخلاق أن تتبع خطواته؛ لأنها إلى ضرر لَا محالة.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 500