اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 442
ألفوا من غير منافرة ولا استدبار لها، فلما كانت الهجرة، وكانت القبلة إلى بيت المقدس فقط، واستدبروها كان الاختبار، وقد أحسنوا الاختبار، وما كان لمهاجر في سبيل الله أن يرتد على عقبيه.
وأما الذين في قلوبهم مرض، فكان الاتجاه إلى بيت المقدس ثم التحول عنه مظهرا ما بطن من كفر المنافقين، ومن ضعف إيمان من الضعفاء في إيمانهم ولذا ارتد منهم من ارتد، وأظهر الكفر من أظهر فمحص الله الذين آمنواء هذا على تفسير القبلة التي كانوا عليها ببيت المقدس.
ثانيهما - تفسيرها بالكعبة، فالمعنى على هذا: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها، وهي الكعبة قبل الهجرة، ثم الرجوع إليها إلا للاختبار، وقد وقع من المنافقين ما أظهر ما كانوا يخفون، وارتد بعض ضعقاء الإيمان، وبذلك كان التمحيص، وقد فسر بعضهم (كُنتَ عَلَيْهَا)، وهي الكعبة بمعنى صرت عليها، مثل قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. . .)، أي صرتم بإيمانكم خير أمة أخرجت للناس.
وإني أرى أن تفسيرها ببيت المقدس هو الأقرب والأظهر، والتفسير لكتاب الله تعالى بما يكون ضاحيا واضحا أولى وإنه لَا يحتاج إلى تأويل، ومن المقررات اللغوية أن ما لَا يحتاج إلى تأويل أولى مما يحتاج إلى تأويل.
ولقول الله تعالى: (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) أي وإن كانت القبلة في تحويلها من بيت المقدس إلى الكعبة لكبيرة إلا على الذين أودع الله قلوبهم هداية ثابتة مطمئنة لَا تزعزعها الرياح، ولا مكان فيها للشبهات التي يثيرها من لا يؤمنون.
ف " إن " هنا مخففة من " إنَّ " الثقيلة، والدليل على ذلك دخول اللام المؤكدة، وهي لَا تدخل على " إنْ " إذا كانت نافية، وكانت دالة على تأكيد القول ببقاء الحال لمن ضل، وبعدها عمن اهتدى.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 442