اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 306
وكلما شرطية تدل على تكرار الفعل وهو الجواب إذا تكرر الشرط، والمعنى يتكرر منكم الاستكبار كلما جاء نبي من الأنبياء بما لَا تهوى ولا تحب أنفسكم، وإن ذلك توبيخ لهم لحاضرهم وماضيهم على سواء، لأنهم في الباطل أمة واحدة، يتبع خلفهم سلفهم، ويدين آخرهم بما يدين به أولهم، فهم جميعا يستكبرون عن الحق، وحالهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هو حال أسلافهم مع أنبيائهم، فهم استكبروا عن إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه ليس من بني إسرائيل ولأنه لم يجئ بما تهوى نفوسهم.
وإنهم إذ يستكبرون يرتبون من ماضيهم على الاستكبار إما التكذيب المجرد، كما كانوا يفعلون مع الأنبياء، وكما فعلوا مع عيسى عليه السلام، إذ حاولوا قتله، فأنجاه الله تعالى منهم، وما قتلوه يقينا بل رفعه الله تعالى إليه، وإما التكذيب المقرون بالاعتداء الآثم؛ ولذا قال تعالى فيما ترتب على الاستنكار: (فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتلُونَ).
فالفاء للترتيب، أي ترتب على الاستكبار الآثم أن كذبتم، وأن زدتم على التكذيب القتل، كما فعلتم مع يحيى وزكريا عليهما السلام، وكما حاولتم أن تفعلوا مع عيسى فرد الله تعالى كيدكم في نحوركم.
وقد عللوا تكذيبهم للأنبياء الذي دفع إليه استكبارهم بقولهم:
(وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) وغلف جمع أغلف وهو ما عليه غلاف أي غطاء يمنع وصول ما يدعو إليه الرسول إلى قلوبهم، وهو كقوله تعالى حكاية عن أمثالهم: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ. . .)، وذلك لأن الهوى إذا سيطر سد مسامع الإدراك الصحيح فيكون لهم قلوب لَا يفقهون بها، فهم لَا يدركون، وهم إذ يحكمون على أنفسهم ذلك الحكم، فهو صادق فعلى قلوبهم غلاف من الهوى سد معرض عن الحق، وهم يقولون ذلك القول مصرِّين على التكذيب؛ ولذا قال تعالى: (بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ) أي طردهم سبحانه وتعالى من رحمته، وهو حكم تقريري، مثبت لغلف قلوبهم، والإضراب في قوله تعالى: (بَل لَّعَنَهُمُ) إضراب عن قبول اعتذارهم، ورده عليهم بأن هذا طرد لهم من رحمة الهداية إلى كفر الغواية.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 306