اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 298
والاستفهام إنكاري لإنكار الو اقع لأنهم بعملهم هذا يؤمنون ببعض الكتاب وهو تحريم البقاء على الأسْر، ويكفرون ببعضه الآخر، وهو تحريم سفك دمهم، وإخراجهم من ديارهم للقتال، فهو استفهام لإنكار الواقع، ولومهم عليه، وبيان أنه تناقض في إيمانهم ينفذون ما يكون هواهم في تنفيذه، ويجحدون بما لَا يكون لهم هوى في تنفيذه فاتخذوا إلههم هواهم.
وإن هذا يؤدي إلى هوانهم وذلهم ووصفهم بالعار الدائم؛ ولذا قال سبحانه (فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الخزي: الهوان والعار والذلة، والفاء للترتيب، فإن الأمر الذي يترتب على تسليم أنفسهم لسفك دمائهم وإخراجهم من ديارهم يترتب عليه خزيهم بتسليم أنفسهم، وعار لخيانتهم لأقوامهم، ووراء ذلك كله الذلة وهوان أمرهم بين الناس، وإن ذلك جزاء مأخوذ من العمل في ذاته، ولذلك بين القرآن الكريم أنه لَا جزاء سواه، وذلك بالنفي والإثبات بالاستثناء، أي: أن الذين يفعلون ذلك الفعل لَا جزاء لهم إلا العار والذلة والمهانة، وإذا كان ذلك هو المتعين جزاءً فهو من الفعل في ذاته؛ ولذلك كانت الإشارة إليه في قوله: (ذَلِكَ) إشارة أن الفعل ذاته هو العلة.
والحياة الدنيا هي الحياة الحاضرة، وسميت الدنيا، فهي مؤنث أدنى؛ لأنها القريبة المرئية المحسوسة، والحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية الدائمة التي تكون سعادة دائمة، أو شقوة مستمرة.
وإذا كان ذلك جزاء في الدنيا، فجزاء الآخرة أشد وأبقى؛ ولذلك قال تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَاب) ويوم القيامة هو يوم الحساب والعقاب أو الثواب، بعد البعث والنشور، وقولة تعالى: (يُرَدُّونَ إلَى أَشَدِّ الْعَذَاب) يفيد بإشارة اللفظ إلى أنه مرجعه إلى عذاب سابق، فالخزي عذاب دنيوي نتيجةً لفعلهم، وهذه هي الدفعة الأولى، ويردون بعد ذلك إلى أخرى يوم القيامة فيها أشد العذاب وأنكله.
وقد بين سبحانه وتعالى أن حسابهم عند الحكيم العليم الذي لَا يخفى عليه شيء، ولا يغفل عن شيء؛ ولذا قال تعالى: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 298