فلا يفتأ العبد راجعاً راجياً للمغفرة لا تقعده كثرة ما يذنب عن تجديد الرجوع ولا يضعف رجاؤه في نيل مغفرة الغفور، كثرة الرجوع. وقد أكد الكلام بـ (أن) لتقوية الرجاء في المغفرة، وجيء بلفظة (كان) لتفيد أن ذلك هو شأنه مع خلقه من سابق، وهذا مما يقوي الرجاء فيه في اللاحق، فقد كان عباده يذنبون ويتوبون إليه ويغفر لهم، ولا يزالون كذلك، ولا يزال تبارك وتعالى لهم غفوراً، وإنما احتيج إلى هذا التأكيد كله في تقوية رجاء المذنب في المغفرة ليبادر بالرجوع على كل حال، لأن العبد مأخوذ بأمرين يضعفان رجاءه في المغفرة أحدهما كثرة ذنوبه التي يشاهدها فتحجبها كثرتها عند رؤية مغفرة الله تعالى التي هي أكبر وأكبر. والآخر رؤيته لطبعه البشري وطبع بني آدم من المنع عند كثرة السؤال كما قال شاعرهم- أي البشر، لأن الشاعر العربي عبر عن طبع بشري:
سَأَلْنَا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَعُدْتُمُ ... وَمَنْ أَكْثَرَ التِّسْئآلَ يَوْماً سَيُحْرَمِ
فيقوده القياس- وهو من طباع البشر أيضاً- القياس الفاسد إلى ترك الرجوع والسؤال من الرب الكريم العظيم النوال. فهذان الأمران يقعدانه عن الرجوع والتوبة فيستمر في حمأة المعصية وذلك هو الهلاك المبين. فكان حاله مقتضياً لأن يؤكد له حصول المغفرة عند رجوعه بتلك المؤكدات.
وقد كان مقتضى الظاهر في تركيب الآية أن يقال: إن تكونوا صالحين فإنه كان لكم غفوراً، لأن المقام للإضمار، لكنه عدل عن الضمير إلى الظاهر فقيل فإنه كان للأوابين غفوراً لينص على شرط المغفرة وهو الأوبة والرجوع. وعلم من ذلك أن الصالح عندما تقع منه الذنوب مطالب- كغيره- بالأوبة لتحصيل المغفرة، لأن فرض الأوبة إلى الله من المعاصي عام على الجميع. وقد اشتملت الآية من