من ربه بصدق وعزم التوبة منها ويبقى معرضاً عنه ربه كما أعرض هو عنه، ويصر على الذنب حتى يموت قلبه. ونعوذ بالله من موت القلب، فهو الداء العضال الذي لا دواء له. وجاء لفظ الأوَّابين جمعاً لأواب وهو فعال من أمثلة المبالغة، فدل على كثرة رجوعهم إلى الله، وأفاد هذا طريقة إصلاح النفوس بدوام علاجها بالرجوع إلى الله. ذلك أنَّ النفوس- بما ركب فيها من شهوة، وبما فطرت عليه من غفلة، وبما عرضت له من شؤون الحياة، وبما سلط عليها من قرناء السوء من شياطين الإنس والجن- لا تزال- إلا من عصم الله- في مقارفة ذنب ومواقعة معصية صغيرة أو كبيرة من حيث تدري ومن حيث لا تدري، وكل ذلك فساد يطرأ عليهما فيجب إصلاحها بإزالة نقصه، وإبعاد ضرره عنها، وهذا الإصلاح لا يكون إلا بالتوبة وبالرجوع إلى الله تعالى. ولما كان طروء الفساد متكرراً فالإصلاح بما ذكر يكون دائماً متكرراً. والمداومة على المبادرة إلى إصلاح النفس من فسادها والقيام في ذلك والجد فيه والتصمم عليه هو من جهاد النفس الذي هو أعظم الجهاد. ومن معنى هذه الآية قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [1] وهم الذين كلما أذنبوا تابوا، والتوبة طهارة للنفس من درن المعاصي. والغفور في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} هو الكثير المغفرة، لأنه على وزن فعول، وهو من أمثلة المبالغة الدالة على الكثرة. والمغفرة: سترة للذنب وعدم مؤاخذته به، ولما ذكر من وصف الصالحين كثرة رجوعهم إليه، ذكر من أسمائه الحسنى ما يدل على كثرة مغفرته، ليقع التناسب في الكثرة من الجانبين. ومغفرته أكثر. وليعلم أن كثرة الرجوع إليه يقابلها كثرة المغفرة منه [1] 222/ 2 البقرة.