اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 84
الأهمية المعنوية في النحو العربي بعد سيبويه
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[30 - 04 - 2014, 07:13 م]ـ الأهمية المعنوية في النحو العربي بعد سيبويه
(1)
من نحو ابن جني رحمه الله
الشيء يكون تاما ثم يعود ناقصا
هذه المقولة لابن جني - رحمه الله- ويمكن أن أمثل عليها بالجملة التالية: نقول: قام زيد، وهذه الجملة مبنية على الفعل "قام"الذي يدل على فاعل فقط، ولهذا فهو يحتاج إلى فاعل فقط، والجملة من الفعل والفاعل جملة كاملة المعنى، ولكن إذا قلنا:"إن قام زيد "صارت الجملة ناقصة لأن الجملة مبنية الآن على "إن" وهي حرف شرط يدل على فعلين: الأول شرط للثاني والثاني مسبب عن الأول، فهي تحتاج إلى الشرط والجواب، ولهذا يجب أن نقول: إن قام زيد قام عمرو، وبهذا تصبح الجملة كاملة المعنى، فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي، والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
(2)
من نحو الجرجاني رحمه الله
جواهر من دلائل الإعجاز
يقول الجرجاني - رحمه الله - ردا على منكري النظم:
اعلم أنك لن ترى عجباً أعجب من الذي عليه الناس في أمر النظم وذلك أنه ما من أحد له أدنى معرفة إلا وهو يعلم أن هاهنا نظماً أحسن من نظم، ثم تراهم إذا أنت أردت أن تبصرهم ذلك تسدر أعينهم وتضل عنهم أفهامهم، وسبب ذلك أنهم أول شيء عدموا العلم به نفسه من حيث حسبوه شيئاً غير توخي معاني النحو وجعلوه يكون في الألفاظ دون المعاني. فأنت تلقى الجهد حتى تميلهم عن رأيهم لأنك تعالج مرضاً مزمناً، وداء متمكتاً. ثم إذا أنت قدتهم بالخزائم إلى الاعتراف بأن لا معنى له غير توخي معاني النحو عرض لهم من بعد خاطر يدهشهم حتى يكادوا يعودون إلى رأس أمرهم. وذلك أنهم يروننا ندعي المزية والحسن لنظم كلام من غير أن يكون فيه من معاني النحو شيء يتصور أن يتفاضل الناس في العلم به، ويروننا لا نستطيع أن نضع اليد من معاني النحو ووجوهه على شيء نزعم أن من شأن هذا أن يوجب المزية لكل كلام يكون فيه بل يروننا ندعي المزية لكل ما ندعيها له من معاني النحو ووجوهه وفروقه في موضع دون موضع وفي كلام دون كلام وفي الأقل دون الأكثر وفي الواحد من الألف.
فإذا رأوا الأمر كذلك دخلتهم الشبهة وقالوا: كيف يصير المعروف مجهولاً؟ ومن أين يتصور أن يكون للشيء في كلام مزية عليه في كلام آخر بعد أن تكون حقيقته فيهما حقيقة واحدة؟
فإذا رأوا التنكير يكون فيما لا يحصى من المواضع ثم لا يقتضي فضلاً ولا يوجب مزية اتهمونا في دعوانا ما ادعيناه لتنكير الحياة في قوله تعالى: " ولكم في القصاص حياة " من أن له حسناً ومزية وأن فيه بلاغة عجيبة وظنوه وهماً منا وتخيلاً، ولسنا نستطيع في كشف الشبهة في هذا عنهم وتصوير الذي هو الحق عندهم ما استطعناه في نفس النظم لأنا ملكنا في ذلك أن نضطرهم إلى أن يعلموا صحة ما نقول وليس الأمر في هذا كذلك فليس الداء فيه بالهين ولا هو بحيث إذا رمت العلاج منه وجدت الإمكان فيه مع كل أحد مسعفاً والسعي منجحاً لأن المزايا التي تحتاج أن تعلمهم مكانها وتصور لهم شأنها أمور خفية ومعان روحانية أنت لا تستطيع أن تنبه السامع لها وتحدث له علماً بها حتى يكون مهيأ لإدراكها وتكون فيه طبيعة قابلة لها ويكون له ذوق وقريحة يجد لهما في نفسه إحساساً بأن من شأن هذه الوجوه والفروق أن تعرض فيها المزية على الجملة، وممن إذا تصفح الكلام وتدبر الشعر فرق بين موقع شيء منها وشيء وممن إذا أنشدته قوله من السريع:
لي منك ماللناس كلهم //نظر وتسليم على الطرق
وقول البحتري من الكامل:
وسأستقل لك الدموع صبابة //ولو أن دجلة لي عليك دموع
أنق لها وأخذته أريحية عندها وعرف لطف موقع الحذف والتنكير في قوله: نظر وتسليم على الطرق، وما في قول البحتري: لي عليك دموع من شبه السحر وأن ذلك من أجل تقديم لي على عليك ثم تنكير الدموع (حيث قدم شبه الجملة "لي"لإفادة التخصيص وبيان حالته، ونكَّر الدموع للكثرة) وذلك بحسب الحاجة المعنوية، فالإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
(3)
من نحو ابن القيم رحمه الله
"في الدار امرأة"
و"على زيد دين"
الإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس، وهناك علاقة احتياج معنوي بين أجزاء التركيب سواء أتقدم الكلام أم تأخر، ومن هنا فإن شبه الجملة المتقدم مطلوب للمبتدأ المتأخر، وقد دعت الحاجة المعنوية عند المتكلم إلى تقديمه من أجل أمن اللبس، "فإن قلت فمن أين امتنع تقديم هذا المبتدأ، فلا تقول: امرأة في الدار ودين على زيد؟ قلت: لأن النكرة تطلب الوصف طلبا حثيثا، (بسبب شدة الاحتياج المعنوي إلى ما يوضحها أو يخصصها)،فيسبق الوهم إلى أن الجار والمجرور وصف لها لا خبر عنها، إذ ليس من عادتها الإخبار عنها إلا بعد الوصف لها، فيبقى الذهن متطلعا إلى ورود الخبرعليه وقد سبق إلى سمعه، ولكن لم يتيقن أنه الخبربل يجوز أن يكون وصفا فلا تحصل به الفائدة، بل يبقى في ألم الانتظارللخبر والترقب له، فإذا قدمت الجار والمجرورعليها استحال أن يكون وصفا لأنه لا يتقدم موصوفه فذهب إلى أن الاسم المجرور المقدم هو الخبر والحديث عن النكرة وهي محط الفائدة" (1) فالأصل تقدم المبتدأ على الخبر لأنه موضوع الحديث، والمحكوم عليه، والمخبر عنه، ولهذا يجب أن يتقدم بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم على الخبر ولكن تمت إعادة توزيع الرتبة وتقدم الخبرعلى المبتدأ بالأهمية المعنوية عند المتكلم من أجل أمن اللبس.
------------------------------------------------------
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 84