responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 727
تقويم التقييم
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[23 - 08 - 2012, 07:11 م]ـ
البسملة1

تقويمُ التَّقييمِ

مِن الألفاظِ الذائعةِ في كلامِ الناسِ اليومَ لفظُ (التقييم)، يريدون بهِ (تحديدَ قيمةِ الشيء). وقد صحَّح هذا اللفظَ بعضُ المحدَثين [1]. وهو قولٌ باطلٌ. فأمَّا السَّماعُ، فقد صفِرت أيديهم منه. وأما القياسُ، فسيقولون: قد أردنا بذلكَ عِلَّةً حكيمةً، وغرضًا مسلوكًا. وذلكَ أنَّا رأيناهم يقولون: (قوَّمَ الشيءَ تقويمًا): إذا أصلحَ عِوجَه، و (قوَّمَ الشيءَ تقويمًا): إذا حدَّدَ قيمتَه، فخشِينا أن يلتبِس هذان المعنَيانِ إذْ كان لفظُهما واحدًا، فعمَدنا إلى لفظِ (القِيمة) بمعنى (الثمَن)، وهو المصدر المجرَّد لهذا المعنَى [2]، وأصلُه (القِوْمة)، وقَعتِ الواو ساكنةً بعد كسرٍ، فقُلِبت ياءًا، فاشتقَقنا منه، فقلنا: (قيَّمَ تقييمًا)، وأبقَينا البدَلَ الواقِعَ في المصدرِ حتى نفرُقَ بين المعنَيينِ. والذي نهجَ لنا هذا السبيلَ أنَّا رأيناهم ربَّما أبقَوا حكمَ البدَلِ في الأسماءِ المفرَّعة عن الاسمِ الذي هو واقِعٌ فيهِ معَ زَوال العِلَّة الموجِبةِ له. ولذلكَ اعتدُّوا هذه الفروعَ طارئةً على الاسمِ، وعارِضةً فيه، ولم يجعلوها كالمستقلّة بأنفسِها، ألا تراهم جمعُوا (عيدًا) على (أعياد)، ولم يقولوا: (أعواد)، ثم استمرُّوا، فقالوا: (عيَّد الناسُ): إذا شهِدوا العيدَ، ولم يقولوا: (عَوَّدَ) مع زَوال عِلَّة الإبدال التي في (عِيد). وقالوا: (ديمة) للمطرِ الدائمِ، وأصلُها (دِوْمة) لأنها من دامَ يدُومُ، ثم قالوا: (دوَّمتِ السَّماءُ): إذا دامَ مطرُها. و (ديَّمت) على هذا الوجه. فقد رأيتم أن (التقييم) ينزِعُ إلى قياسٍ صحيحٍ. وما قيس على كلامِ العربِ فهو من كلامِهم.
فاصل1
،،، والجواب عن هذا من وجوهٍ عِدَّةٍ:
الأول: أنَّ (التقويمَ) قد جاءَ في كلامِ العربِ مستعمَلاً بهذا المعنَى [3]. وفي الحديثِ: (قالوا: يا رسولَ الله، لو قوَّمتَ لنا، فقال: الله هو المقوِّم) [4] أي: لو حدَّدتَ لنا القِيمةَ. ومن شرطِ صِحَّة القياسِ عدمُ السَّماعِ، إذْ كانَ السَّماعُ هو المهيمِنَ على القياسِ من قِبَلِ أنه حاقُّ كلامِ العربِ المقطوعِ به، والمستوثقِ منه، والقياسُ آلةٌ نظَريةٌ مستنبَطةٌ من استقراءِ مذاهبِهم، وتتبُّعِ عوائدِهم، قائمةٌ على الظنِّ في ما ينبغي أن يجيءَ عليه كلامُهم لو تكلَّموا. وليس يصِحُّ في العقلِ العدولُ عن اليقين إلى الظنِّ، وعن الشاهد إلى الغائبِ، وعن المعلوم إلى المجهولِ. وما يدريك لعلَّ العربَ لو تكلَّمتْ في ذلك، لخالفَت عن قياسِها لعلَّةٍ من العِلَلِ. ولذلك تقولُ في النسبة إلى (السَّهْل): (سُهليّ) بضم السِّين، ولا تفتحُها، وتقولُ في جمعِ (فارس): (فوارس)، ولا تقولُ: (فُرَّس)، ولا (فُرَّاس)، وتقولُ في مصدرِ (طلبَه): (طلَبًا)، ولا تقولُ: (طَلْبًا)، وتقولُ في اسم المكان، والزمان من (نبَتَ ينبُت): (منبِت)، ولا تقولُ: (منبَت). تمتنِع من ذلك كلِّه مع أنه القياسُ.
الثانِي: أنَّ العرب لا تكاد تحفِلُ باللبسِ الناشئ عن الاشتراكِ اللفظيِّ، ولا تفصِل من أجلِه أحدَ اللفظينِ عن الآخَر بضربٍ من ضروبِ التغييرِ، ألا ترى أنَّ (تفعَّل) المضارعَ المحذوفَ التاء للتخفيف قد يلتبِسُ بـ (تفعَّل) الماضي، نحو (تلهَّى)، و (تزكَّى)، وأنَّ اسم الفاعل من نحو (اختارَ) قد يلتبس باسم المفعول من الفعل نفسِه، لأنك تقول فيهما جميعًا: (مختار)، وأنَّ الضميرَ (هما) يقعُ على المثنى المؤنَّث كما يقعُ على المثنى المذكّر، وأنَّ الاسمَ المنسوبَ إلى ذي التاء قد يلتبِس أحيانًا بعد إسقاطها بالعاري منها، تقولُ في النسبة إلى (قائم): (قائميّ)، وفي النسبة إلى (قائمة): (قائميّ) أيضًا. وتصغِّر الثلاثيَّ على اختلافِ حركة فائه، وعينِه على (فُعَيْل). وهي بِنيةٌ واحِدةٌ لا يؤمَن معها اللَّبسُ، إذْ لا تدُلّ على حركاتِ الاسم قبلَ تصغيرِه. هذا وألفاظُ المشترَك اللفظيّ، وألفاظُ الأضدادِ كلُّها شواهدُ على ذلك، ألا ترَى أنَّ كلمتي (العين)، و (الخال) لهما معانٍ كثيرةٌ، وأنَّ (الجونَ) يطلق على الأبيض، والأسود، و (الصريمَ) يطلق على الليل، والنهار، وشتَّان ما هما. ومع ذلكَ أبقَوا هذه الألفاظ على مكِناتِها، ولم يحيلوا عليها بشيءٍ من التصرُّف. كأنَّهم آثَروا احتمالَ وحشة
¥

اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 727
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست