responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 728
اللبس، وظُلمةِ الاستبهام على كُلفةِ الانتقالِ، ومئونةِ التغييرِ، حينَ رأوا في القرائنِ التي تكنُف الكلِمةَ ما يُذهِب عنهم هذه الوحشةَ، ويكشِف لهم تلك الظلمةَ. وهم في ما قلَّ استِعمالُه، وضؤُل خطرُه أكثرُ احتمالاً لما شاعَ، وانتشَرَ، وكثُر تعاورُه. ولذلكَ لم يسيغُوا التباسَ مضارع الثلاثيِّ المعتلّ العين بالواو بالثلاثيِّ المعتلِّ العينِ بالياء، فأوجبُوا الفَصْلَ بينهما محميَةً من وقوعِ اللبسِ، فجعلُوا المعتلَّ بالواو على (يفعُل) كـ (يقول)، والمعتلَّ بالياء على (يفعِل) كـ (يبيع)، لكثرةِ ذلك، وعِظَم خطَرِه، إذْ لولا هذا التمييزُ، لتداخلَت أصولُ الكلِم، وعسُر التفريقُ بينها. كما أنهم في ما اشتدَّ إغماضُه، وخُشِيت جَهالةُ مدلولِه أقلّ احتمالاً منهم لما أعرضَت صَفحتُه، وأسفَرَ وجهُه، وسهُلَ الاهتداءُ إلى غرضِه. ولذلكَ أبَوا حذفَ الياءِ من (فَعيلة) المعتلِّ العينِ عند النسبةِ إليه كما حذفُوها من الصحيح، نحو (حَنَفيّ)، فقالوا في النسبة إلى (طَويلة): (طَوِيليّ). وذلكَ أنهم لو حذفُوها، فقالوا: (طَوَليّ)، لألزمَهم هذا أن يبدِلوا الواو ألفًا لتحرّكها، وانفتاحِ ما قبلها، فيقولوا: (طاليّ). وهذا غايةٌ في الإلباسِ، لما يتعاقبُ على الكلِمة من التغييرِ المعفِّي على الأصلِ. ولم يُكرثهم في سبيلِ ذلك أن يخرجوا عن القياسِ المستمرِّ، ولا أن يختصُّوا هذا الضربَ بما يفارقُ به نظائرَه، وأترابَه. علَى أنَّهم في ذلك كلِّه لم يستحدِثوا حكمًا أنُفًا، ولم يرتجلوا قياسًا جديدًا، فأمَّا في مضارعِ الثلاثيّ المعتلّ العينِ، فقد كانت تفرِقتهم بين الواوي، واليائيّ إبَّان الوضعِ، وليس بعدَه. وأمّا في (فَعيلة) المعتلّ العينِ، فإنهم إنما راجعُوا أصلاً مهجورًا، وهو النسبة إلى الاسمِ كما هو من غيرِ حذفٍ.
وقد رأيتَ في هذا البابِ سعةَ احتيالِهم، ووفورَ حكمتِهم، إذْ لم يجعلُوه شَرْعًا واحدًا، وجِنسًا متشاكِلاً، ولم يردُّوه إلى حكمٍ ثابتٍ لا يتبدَّلُ، فيعتدُّوا بكلِّ لَبسٍ، أو يهمِلوهُ، بل عامَلوا كلَّ فَردٍ منها على حِدةٍ، ونظَروا إليه نظَرَ الوالدِ الشفيقِ في مصلحةِ ولَدِه، فمايَزوا بين عِلَلِه المتجاذبةِ، وأصولِه المتدافِعةِ، ثمَّ قضَوا له بأشبهِها بالحكمةِ، وأردِّها عائدةً على المتكلِّم. وهذا بابٌ واسِع المضطرَبِ. وقد تناوَلنا منه ما يعيننا على فَهم هذه المسألة، وتعرُّفِ الصوابِ فيها.
وكلمةُ (التقويمِ) في دلالتِها على معنيينِ هي من جِنس المشترَك اللفظيِّ. وقد رأينا العربَ احتمَلت هذا، وأشباهَه. ورأيناهم أيضًا في ما اعتدُّوا به من اللَّبس لم يزيدُوا على أن فطِنوا إليه قبلَ الوضعِ كما في نحو (يقول)، و (يبيع)، أو عرَض لهم بعدَ الوضعِ، فتركُوه على أصلِه الأوّلِ، ولم يُجروا عليه القياسَ الذي أجرَوه على نظائرِه كما في (طَويليّ). وذلكَ أيسَرُ، وأقلُّ كُلفةً من نقلِ الشيءِ عن قياسِه، وإفرادِه بحُكم جديدٍ. فكيفَ يَجوز بعد هذا أن يزعم زاعِمٌ صِحّة إبدالِ واو (التقويم) ياءًا مع أن الإبدالَ تصرّف مخرِج عن الأصلِ؟ وعلَى أنَّ اللبسَ في استعمال (التقويم) في كلا المعنيينِ من ما لا يكادُ يقَعُ، لأنَّه ليس بين المعنيينِ شيءٌ من التقاربِ تعيَا القرائنُ عن كشفِه، من قِبَلِ أنَّ سياقَ الكلامِ كفيلٌ بتعيينِ المعنى المُرادِ، فإذا قلتَ مثَلاً: (قوَّمت السِّلعةَ، أو الدرجاتِ)، عُلِم أن المعنى (قدَّرتُ قيمتَها). وإذا قلتَ: (قوَّمت العصا)، عُلِم أنّ المرادَ إصلاحُها، وتعديلُها. وهذا على خلافِ (الجَون) مثَلاً، فإنَّ سياقَ الكلامِ قلَّما دلَّ على تعيينِ أحد المعنيينِ، فإذا سمعتَ قائلاً يقول: (رأيتُ رجلاً جونًا)، لم تدرِ أأرادَ أبيضَ، أم أسودَ. وقد قبِلوه مع ذلك، ولم يتصرَّفوا فيه بشيءٍ.
الثالث: أنَّا لو سلَّمنا أنَّ في (التقويمِ) لبسًا يجِبُ رفعُه، لم نسلِّم أنَّ ذلكَ يكون من طريقِ الاعتدادِ بالبدَل العارِض. وذلك لأمورٍ:
أولُها: أنَّ العربَ لا تعقِد الاعتداد بالعارضِ بعِلَّةٍ من العللِ، لا خشيةِ لِبسٍ، ولا غيرِها، وإنَّما تجرِيه إنْ أجرَتْه مجرَّدًا من ذلك.
¥

اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 728
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست